شبكة اخباريات - محمد عثمان: يقال أن من لا يعرف ماضيه لن يعي حاضره ولن يستطيع استطلاع واستشراف آفاق مستقبله, ومن يعي ويعرف قيمة ماضيه ذلك هو الذي يستحق أن يتمتع بحاضره ومستقبله...وبما أننا شعب عانى الكثير فهو يستحق الأفضل, ولكن يجب على صغارنا قبل كبارنا أن يتعرفوا إلى ذلك الماضي الذي صنعه أجدادنا على مر التاريخ حتى نصل إلى ذلك الأفضل.
في غزة...وزارة آثار بلا مباني وبلا كادر.
"شبكة إخباريات" انطلقت بجولة ثقافية أكثر منها سياحية, لنشاهد معا ونتعرف على بعض آثار غزة وننقلها لكم أعزائنا القراء بالصورة والوصف, تلك الآثار التي لا يعرف عنها المواطن الغزي الشئ الكثير, ولكن كان علينا في البداية أن نبحث عن الجهة التي ترعى هذه الآثار كي نواصل الجولة من خلالها, والتي تكون عادة وفي كل دول العالم هي وزارة تسمى بوزارة السياحة و الآثار, فبحثنا مطولا عن موقع مبنى هذه الوزارة فكان هناك صعوبة كبيرة في إيجاد مكان مبنى الوزارة بسبب ما طرأ من تغيرات بقطاع غزة خاصة بعد أحداث تموز عام 2007م وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع التي قصف خلالها الاحتلال الإسرائيلي معظم مباني الوزارات, وبعد عناء طويل وجدنا مكان وزارة السياحة بعد تغييره وتبديله العديد من المرات, وجدناه في مجمع أبو خضرة الحكومي في طابق أرضي وبالمبنى التابع لوزارة الزراعة الفلسطينية, مكان متواضع للغاية بل أقل من متواضع أيضا, لا يرقى إلى حجم وأهمية تاريخ وآثار قطاع غزة.
وما فاجأنا أكثر من المكان أن الكادر العامل في الوزارة لا يتعدى الثمانية موظفين, حيث يقول السيد "عبد الحميد عبد الله أبو خديجة" القائم بأعمال مدير دائرة الآثار بوزارة السياحة والآثار بغزة " لم يتبقى في وزارة السياحة والآثار سوى ثمانية موظفين للعمل فيها, حيث أن جميع الموظفين استنكفوا "توقفوا" عن العمل بعد أحداث تموز 2007م"قصر الباشا..تحفة معمارية إسلامية..يتحول إلى متحف
من يدخل من البوابة الرئيسية لحديقة هذا القصر الواقع في حي الشجاعية شرق مدينة غزة يصاب بدهشة كبيرة وانبهار شديد لجمال هذا القصر وروعته, انه تحفة معمارية بكل ما للكلمة من معنى, بنتها أيد إسلامية عربية, وعن نشأة وسبب تسمية القصر بهذا الاسم يقول السيد "أسعد مصباح عاشور" مسئول الحماية في وزارة السياحة والآثار بغزة " سمي قصر الباشا بهذا الاسم بسبب مكوث عددا من الباشاوات في عهد الحكم العثماني فيه, وقد أنشئ المبنى في عهد القائد الإسلامي الظاهر بيبرس بالعهد المملوكي بالقرن السابع الهجري, كما سمي بقصر آل رضوان لان هذه الأسرة الغزية حكمت وراثيا في هذا القصر لمدة مائة وخمسين عاما, ويطلق عليه البعض خطأً قلعة نابليون, لأن الأخير مكث فيه ثلاث ليال في طريق عودته من حملته الفرنسية على عكا"
القصر الذي حولته وزارة السياحة والآثار في غزة إلى متحف لم يتم افتتاحه بعد يضم مبنيين, الرئيسي يقع شمالا ويضم في طابقه العلوي قاعة العرش للحاكم وطابقه الأرضي يشتمل على عدد من الغرف والتي يعرض بها حاليا آثارا قديمة كالعملات وبعض الأعمدة الاثرية وأخرى حديثة للشهداء كملابسهم التي استشهدوا بها, أما تحت الأرض في نفس المبنى فيوجد سجنا للرجال ذو سقف دائري وآخرا للنساء أصغر منه بكثير, والمبنى الجانبي يقع جنوبا ويضم أبنية الإدارة وأسرة الحاكم وهو أصغر من المبنى الرئيسي, ويقع أمام القصر حديقة جميلة تابعة له كانت في السابق أكبر بكثير لكنها تقلصت بسبب الامتداد السكاني حول القصر.
وقد تعددت استخدامات القصر على مر الأزمنة منذ بنائه في العهد المملوكي حتى اليوم, ففي العهد المملوكي استخدم كمكانا يمكث فيه حاكم غزة, وفي عهد الانتداب البريطاني استخدم القصر كمركزا للشرطة, أما في عهد الحكم المصري فكان يستخدم كمبنى لإدارة مدرسة الزهراء الثانوية الملاصقة للقصر, وبعد مجيء السلطة الفلسطينية في منتصف التسعينيات ألحق بوزارة السياحة والآثار وتم ترميمه في العام 2005م بشكل كامل واليوم تحول إلى متحف لم يتم افتتاحه بعد ليعرض به الآثار.
وعن تاريخ بناء القصر يقول السيد "مصباح عاشور" " لايوجد بالقصر لوحة تأسيسية تؤرخ له بصورة واضحة, إذ أنها مفقودة, ولكن من خلال طراز المبنى والشعارات التي كتبت عليه(شعار الأسد) الذي اتخذه الظاهر بيبرس شعارا له فيمكن نسبة المبنى إلى العصر المملوكي وخاصة عصر الظاهر بيبرس"
آثار تستحق الاهتمام.
آثار غزة هي جزء لا يتجزأ من تاريخ فلسطين الذي لم يتوقف الإسرائيليون لو لدقيقة واحدة عن تدميره أو سرقته, آثار تستحق الاهتمام ومتابعتها والتعريف بها, وتجعل كل من يشاهدها ينبهر لجمالها وسحرها, آثار تتنوع تواريخ وأصول بنائها ما بين البيزنطي مثل "كنيسة المخيتم البيزنطية" التي تقع في جباليا شمال القطاع والتي يعود إنشائها إلى العام 444ميلادي وكذلك "كنيسة البركة" في دير البلح وسط قطاع غزة, وأخرى عربية إسلامية كموقع "الشيخة لقية" في بيت لاهيا شمال القطاع و"قصر الباشا" الذي يعود إلى العهد المملوكي والذي يقع في حي الشجاعية وكذلك "حمام السمرة" الذي بني في نفس العهد والذي تعود ملكيته حاليا لآل الوزير, و"خان الأمير يونس النوروزي" والذي يعرف باسم "القلعة" و يقع وسط مدينة خانيونس التي سميت باسمه, وهناك أيضا الكثير من المساجد الأثرية المنتشرة على كافة مساحة قطاع غزة من شمالها إلى جنوبها وشرقها وغربها "كالمسجد العمري الكبير" والذي يقع في حي الدرج بمدينة غزة وجامع ابن عثمان الذي يقع في حي الشجاعية شرق مدينة غزة والذي يعود للعام 1405م نسبة للشيخ شهاب الدين بن محمد بن عثمان, هذا بالإضافة إلى العديد من التلول الاثرية المنتشرة في أنحاء قطاع غزة كتل العجول وتل السكن وأم عامر وسط قطاع غزة, هذه مجموعة من الآثار وهي غيض من فيض من آثار قطاع غزة والتي تحتاج وتستحق الاهتمام أكثر وأكثر.
قصر الحاكم..آثار بلا أثر
فعلى عكس قصر الباشا الذي ظل شامخا يشهد على عظمة هذا القطاع إلى يومنا هذا, أبى الاحتلال الإسرائيلي إلا وان يدمر كل ماهو جميل في قطاع غزة ويحرق ويقصف كل شئ يشهد على عظمة وصمود أبنائه في وجه كل الغازيين الذين حكموا واستعمروا أرضهم, فحين توجهت إلى قصر الحاكم بغزة والذي تم بناؤه في عهد الانتداب البريطاني ليكون مقرا لحاكم غزة البريطاني صعقت لهول ما رأيت, بل لم أرى شيئا على الإطلاق, فلا وجود للقصر ولا حتى لحجارته, حاله كحال مباني السرايا الحكومية وسط مدينة غزة التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي أثناء الحرب هي والقصر, ولم يتبقى من القصر شيئا على الإطلاق, وجدت شرطيا يحرس داخل حدود منطقة القصر فسألته هل هذا ما تبقى من القصر أم أن هناك آثارا نجت وتم نقلها إلى مكان آخر؟.. فأجابني وعلامات الحسرة والألم ترتسمان على وجهه بأن لا شئ تبقى من آثار القصر وأنه كان غاية في الروعة حيث كان قصرا بمعنى الكلمة.
وحين توجهت بالسؤال إلى السيد "عبد الحميد أبو خديجة" القائم بأعمال مدير دائرة الآثار بوزارة السياحة والآثار عما إذا كان هناك متابعة قضائية للاحتلال لعملية تدمير قصر الحاكم فأجاب " إن هناك بعض المؤسسات الحقوقية تتابع هذا الموضوع, وان هذا القصر للأسف غير مدون لدى وزارة السياحة والآثار وليس لديها معلومات أساسا عنه"
قلعة برقوق...غزو سكاني
هل هذا ما تبقى يا حج من القلعة؟.. سؤال بادرني على الفور حين دخلت من بوابة القلعة ورأيت الحارات والبيوت بداخلها, فأجابني العجوز وهو من سكان القلعة وكأنه يتحسر عليها رغم إقامته بداخلها "نعم هذا فقط ما تبقى من القلعة..هذه الجدران فقط"
هذه القلعة التي يعود تاريخ بنائها إلى عام 1387م، أي عام 789هـ، حيث بناها الأمير "يونس بن عبد الله النورزي الداودار" بناءً على طلب من السلطان برقوق أحد سلاطين العصر العربي
الإسلامي المملوكي ومؤسس دولة المماليك البرجية, وقد بنيت لتكون بمثابة مركزا يتوسط الطريق بين دمشق والقاهرة، يتخذه التجار والمسافرين مكانا للراحة واللقاء والتزود بما يلزمهم من حاجيات في تلك الرحلة الطويلة بين أكبر مدينتين في دولة المماليك البرجية حينها، بالإضافة للاحتماء من اللصوص وقطّاع الطرق والأغراب الذين كانوا يعترضون طريق المسافرين في هذه الحقبة.
تبعد قلعة برقوق الآن مسافة 20 كم عن الحدود الفلسطينية ال