تقارير وتحقيقات

خلف البوابات الزرقاء.. فساد حي وإجراءات ميتة!!

|
خلف البوابات الزرقاء.. فساد حي وإجراءات ميتة!!

 

اخباريات/ غزة- تحقيق - سمر الدريملي: لا يكاد يمر عامين أو ثلاثة على قطاع غزة، إلا ويعصف به أزمات خانقة من صنع الإنسان أو من تدبير الطبيعة، فتنهال عليه المساعدات الإغاثية لتضميد جراح نحو مليون وثمانمائة وخمسين ألف شخصاً يقطنه، ومن أهم المساعدات تلك المقدّمة من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي تعتبر ثاني أكبر مؤسسة في القطاع بعد الحكومة.
وقد ارتفعت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات الرافضة لما وصفته بـ"سوء إدارة وتوزيع المساعدات" من قبل الأونروا في القطاع، لا سيما وقت الأزمات والحروب والطوارئ.

 


جداد على النظام!!
 أحد الموظفين السابقين في مجال استلام وتوزيع مساعدات الأونروا التي كانت تصل إلى قطاع غزة في الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في 27 ديسمبر من العام 2008 واستمرت حتى 18 يناير من العام2009، ويُدعى حسين. ك، قال لـ"اخباريات" إنه كان يرى كشوفات المساعدات عبر بريده الإلكتروني ويذهب لاستلامها من أحد معابر القطاع الخمسة، فيتفاجأ باستلامه كمية أقل من المتفق عليها، موضحاً :"أتفاجئ بأن الكمية المستلمة أقل، لكنني أُجبر على التوقيع على استلامي الكمية كما في الكشوفات، فمثلاً بدل من استلامي 15 صندوقاً من المساعدات، كنت أستلم 11 فقط، وبالتالي يتم إلزامي في المعبر التوقيع على 15".
وأضاف حسين أنه ورغم رفضه وزملائه الأمر، إلا أن مسئوليه في المعبر كانوا يردُّون على هذا الرفض تارة بالألفاظ البذيئة، وتارة أخرى بالاستهزاء، متابعاً :"كانوا يقولون لنا انتم "جداد على النظام"، وكنت أتصل على الإدارة  فتبلغنا أن نستلم المساعدات ونرجع إلى العمل، وأننا سنناقش المشكلة نهاية اليوم في الاجتماع".
وأكد على أن الأمر كان يحدث في كل معبر يذهب لاستلام منه المساعدات، ما حدا به إلى تقديمه استقالته لرفضه واعتراضه على ما وصفه بـ "التسيّب".
وأشار حسين إلى أن الحرب على غزة كشفت عورات إدارية في عمل الأونروا في ظل وجود معظم المسؤولين وصناع القرار الأجانب فيها بإجازات رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد، فيما لم يكن هناك سرعة في اتخاذ قرارات حاسمة وبديلة من قبل العاملين بغزة للتعامل مع الأزمة بحنكة وذكاء، إضافة إلى الإهمال وسوء الإدارة وتضارب المصالح في بعض الأحيان حتى أنها تحوّل الوكالة بدون بوّاب، متهماً حراس الأونروا بدخول لعبة الفساد، وفق قوله.
وذكر أن تحقيقات داخلية جرت بعد انتهاء الحرب، وتم على أساسها توقيف بعض المشتبه بتورطهم عن العمل لمدة 3 شهور فقط، ومن ثم عادوا إلى أعمالهم بعد انقضاء الفترة. مشيراً إلى أن كاميرات المراقبة كانت توثق حركة كل شيء في مرافق الوكالة المختلفة والتي بإمكانها الرجوع إليها إن شاءت.
الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) نشر في مايو من العام الماضي تقريراً حول بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في عمل وكالة الأنروا في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، أكد فيه أن تقرير المفوض العام للأونروا لعامي 2008-2009 أغفل توضيح مصادر التمويل للدول المانحة ونسبة مساهمة كل دولة، وأغفل الإشارة إلى الأسس والمرجعيات التي تم من خلالها توزيع بنود الموازنة على البرامج.
وأشار التقرير إلى غياب وحدات الرقابة الداخلية ضمن الهيكلية الإدارية للأونروا في أقاليم عملها والاقتصار على وحدة الرقابة التابعة لمكتب الرئاسة في عمّان بالرغم من اتساع حجم عملها والحاجة إلى وحدات رقابية في كل مكتب اقليمي، إضافةً إلى وجود ضعف في نظام الشكاوى من حيث وضوح التعليمات الخاصة بتقديم الشكاوى سواء ما يتعلق بالعاملين في الوكالة أو متلقي الخدمة.

 


نفايات أم مساعدات طبية ؟!!
حسين.ك نوّه إلى أن بعضاً من المساعدات كانت تخرج من بلدانها فاسدة ومنتهية الصلاحية، فيما أن تكلفة تصديرها للقطاع أقل من تكلفة إتلافها في بلدانها، وذلك لأخطارها الجسيمة على البيئة بعد عملية الاتلاف، موضحاً :"أذكر أن بعض باكيتات المعكرونة والدقيق كانت تاريخ انتهائها تحدياد في السابع من ديسمبر 2008، فيما خرجت من بلدانها بتاريخ 27 ديسمبر 2008، وبالرغم من أن الكثير من شحنات الأدوية كانت منتهية الصلاحية الا انه كان يتم توزيعها، فهي لا تعدو كونها نفايات طبية".
وبيّن حسين أن بعض الجمعيات في المناطق المهمشة والتي وصلت اليها المساعدات الغذائية من الأونروا في الحرب لتوزيعها على الناس اشتكت من إصابة الكثير من الأطفال بحالات من الإسهال بعد تناولهم هذه المساعدات، حسب قوله.
وصول المساعدات منتهية الصلاحيات تكررت في عدد من مناطق القطاع، إذ قالت الناشطة المجتمعية والحقوقية تهاني.ط لـ"اخباريات" إنها لا تنسى يوم حصلت على مجموعة من أكياس الطحين المنتهية الصلاحية والتي وُزّعت على المواطنين في منطقة الفخاري جنوب شرق خانيونس بعد انتهاء الحرب في يناير من العام 2009.
وتابعت :"الأقسى من الصاروخ هو الفساد، فتوزيع مواد منتهية الصلاحية على الناس هو قمة التسيب والفساد، وكثير من المواطنين لا يدققون بتاريخ صلاحية ما توزعه الأونروا لثقتها العمياء بها".
وكشفت تهاني أن بعض المناطق الريفية التي تم توزيع السلال الغذائية عليها أصيب أهلها بالجفاف وبمشاكل صحية عديدة نتيجة عدم تعودهم على المأكولات المعلبة والمواد الحافظة وانتقالهم من نظام غذائي يعتمد على ما تنتجه أراضيهم إلى نظام غذائي يعتمد على المعلبات والأطعمة الجاهزة والسريعة وأخرى منتهية الصلاحية، وفق قولها.
وتابعت: ""..يجب مراعاة الاختلافات بين الناس والمناطق الجغرافية، ووضع معايير للمساعدات الغذائية، لا أن يتمّ التشدّق بما يتم توزيعه عليهم، بعيداً عن التوزيع العشوائي وغير المدروس".
منظمة الصحة العالمية أصدرت بياناً في شهر أغسطس من العام 2010 أكدت فيه أن نسبة كبيرة من المساعدات الطبية التي وصلت الى قطاع غزة في فترة حرب 2008-2009 وما بعدها كانت منتهية الصلاحية أو على وشك الانتهاء. وهو ما اتفق مع إعلان وزارة الصحة بالحكومة المقالة في غزة أن لديها الكثير من التبرعات التي أرسلتها دول ومؤسسات مختلفة انتهت صلاحيتها وباتت أضرارها أكثر من فوائدها.
وكان مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة د.منير  البرش صرح أن المستشفيات والمرافق الصحية استفادت فقط من 30% من التبرعات الطبية التي وصلت أثناء وبعد الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث أن بعضها تبرعات عشوائية وأخرى فسدت بسبب سوء التخزين على المعابر، كما أن ما نسبته 22% من التبرعات وصلت مخازن الوزارة 'منتهية الصلاحية' وتقدر بمليونيْ دولار.
واعتبر "حسين": أن "الفساد الإداري والمالي في الأونروا استمرّ حتى أثناء الحرب التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر من العام 2012، حيث لم تكن هناك سرعة استجابةٍ لفتح مراكز إيواءٍ للاجئين والنازحين إلا بعدّ الضغط عليهم، وإرسال المناشدات المتواصلة؛ حتى أنهم فتحوا -أول ما فتحوا- مدرسة "الفاخورة" دون الإعلان عنها، وهي ذاتُ سمعةٍ مخيفةٍ بين الناس، إذ ضُربت بالفسفور الأبيض في حرب 2008-2009، كما رفض المختصّون في "الأنروا" اقتراحاً بتعميم أماكن وعناوين مراكز الإيواء؛ التي فتحتها "الأنروا" عبر تلفزيون "الأنروا" وذلك بحجّة عدم تشجيع الناس على النزوح، وعدم إخافتهم، وهذا الرفض يمثّل تناقضاً صريحاً مع مدوّنات العمل والسلوك الإنساني في التعامل مع الناس وقت الأزمات".

 


بلاغات كيدية!!
من ناحيتها قالت مديرة الإعلام في مكتب غزة الإقليمي التابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى ميلينا شاهين، قالت لـ"اخباريات" إن الأونروا تعتبر ثاني أكبر مؤسسة في قطاع غزة بعد الحكومة؛ وثاني أكبر قطاع للتوظيف والخدمات، اذ يستفيد من مساعداتها الغذائية ثمانمائة ألف شخص سنوياً.
وأضافت :"الأونروا لا تتهاون في التعامل مع أي حالات فساد قد يثبت تورطها، فهي  تتبع أعلى معايير الشفافية والنزاهة في كل تعاملاتها سواء في الحالات الاعتيادية أو الطارئة، فكل موظف يوقع على إقرار تعهد على اتباع مبادئ الشفافية والنزاهة في كل تعاملاته المهنية، علماً أنه يتم تجديد هذا التعهد ما بين فترة وأخرى".
وأوضحت شاهين أن المكتب القانوني التابع للأونروا يتابع أي شكوى قد تأتي ضد أي موظف، فيتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية وإن وُجِد دليلا يُستدعى الموظف لاستجوابه، واذا ما ثبت تورطه فيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقه، منوهةً إلى أنه في بعض الأحيان قد تكون بعض البلاغات والشكاوى كيدية.
ونفت شاهين توزيع مساعدات منتهية الصلاحية؛ وإن حدث أن وصلتهم مساعدات منتهية الصلاحية تقوم الاونروا بإرجاعها إلى بلدانها. إذ قالت إنه يوجد في معبر كرم أبو سالم لجنة لفحص أي مساعدات، فيما اتجهوا مؤخراً لشراء الكثير من المساعدات من السوق المحلية مثل الدقيق، حسب قولها.


تغليظ العقوبة
أحد مسؤولي الأونروا والذين تم انتدابهم لمتابعة علمية استلام وتوزيع المساعدات وإدارة غرف عمليات الطوارئ عدنان.ف اعتبر أن الوكالة في حرب 2008-2009 أُخِذت على حين غرة، على حد وصفه.
وتابع :"لم تكن الأونوروا مهيئة لوجستياً، إضافةً إلى حداثة التجربة وعدم وجود كادر بشري مهيأ وقلة خبرة التخزين والتصنيف والنقل، وغياب فكرة التنسيق بينها وبين الحكومة المقالة في غزة ومؤسسات المجتمع المدني المختصة، حتى أنه أحياناً في المعابر كان يحدث تصادم بين موظفي الأونروا والحكومة حماس المقالة بسبب سوء الفهم وعدم معرفة الجهة القادمة إليها المساعدات".
وأضاف: "كان يأتي يومياً أكثر من 70- 80 مقطورةً من المساعدات، وعندما نذهب للمعابر كنّا نسير بأقدامنا على جبالٍ من المواد الغذائية؛ كالعدس والأرز والطحين، وكنا نجد الأرض مليئةً بالحليب والماء والبسكويت، بل إنه وبعد انقضاء الحرب كانت الحيوانات تذهب لتأكل من بقايا تلك المساعدات".
وأوضح عدنان أنه سُرقت بعض المساعدات، مستدركا :"للأسف لا يوجد قانون عقوبات في تشريعنا الفلسطيني للجرائم الاقتصادية لمحاسبة مثل هؤلاء المتورطين؛ لكن يجب تغليظ العقوبة لأن الناس كانت بأمس الحاجة لأن تصلها تلك المساعدات".
وأشار إلى أنه وبعد انقضاء فترة الحرب جرت تحقيقات مع عدد من الذين ذُكرت أسمائهم كمتورطين في حالة التسيب والسرقات، حتى أنه حُقق مع بعضهم، فيما عوقب بعضهم بتخفيض رتبهم، والبعض الاخر أُوقف ما بين شهرين الى ستة أشهر.
من ناحيته دعا المستشار القانوني في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) بغزة بكر التركماني جميع الأطراف التي تعمل في مجال تقديم المساعدات والخدمات المختلفة لقطاع غزة وعلى رأسها الأونروا بضرورة التزام النزاهة والشفافية في مراحل عملها كافة.
 وقال التركماني لـ"اخباريات" إن الأنروا لا تخضع لأي رقابة خارجية من قبل المؤسسات الفلسطينية لتمتعها بالشخصية القانونية والحصانة بموجب القرار رقم (302)، إلى جانب اتفاقيات البلدان المضيفة والمقر بين الأونروا والسلطة الوطنية الفلسطينية والتي وُقعت في العام 1996، على الرغم من كثرة المطالبات بضرورة ممارسة الجهات الفلسطينية الرسمية والمجتمعية دوراً رقابياً على أعمال الوكالة خاصة على الاستراتيجيات والسياسات والبرامج المعتمدة، ومطالبةً الوكالة بمزيد من الشفافية بأداء أنشطتها وتنفيذ برامجها.


أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد