فسحة للرأي

دماؤنا و دماء اليهود!

صلاح حميدة |


أثارت تصريحات وزير الأوقاف في الضفة الغربية ـ محمود الهباش ـ التي حرّم فيها قتل جنود و مستوطني الاحتلال، و ساوى بين دمهم و بين دم الفلسطينيين، ردود فعل واسعة في الشارعين الاسلإمي و العربي بشكل عام، و في الشارع الفلسطيني بشكل خاص، كما أثارت اهتمام الإعلام الإسرائيلي أيضا.

بقلم - صلاح حميدة *


من المهم الانتباه إلى أنّ تلك التصريحات تأتي في إطار خدمة المشروع السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، و ليست بدعاً من الهباش، و هي أحد أشكال الاستخدام الفظ للدين في خدمة السياسة؛ من أكثر الناس اتهاماً لخصومهم بتوظيف الدين لخدمة أهدافهم السياسية.
تسليط الضوء على الهباش و انتقاده و شتمه، كان دافعه في الغالب من باب أنّه بلا ظهير و لكون النّيْل منه لا ثمن له، و هذا لا يعني أنَ تصريحات و سلوكيات الهباش تعجبني بشكل عام، و لكن من المهم التحلّي بالموضوعية في تناول السياسيين و سلوكهم السياسي، و نقد السياسات بعيداً عن الشّخصنة.
 الصراع بين الفلسطينيين و بين الصهيونية قائم لأسباب تتعلق بالحقوق التي سلبتها الصهيونية من الشعب الفلسطيني، و لا تتعلق بدين و دم مَن سَلَب، فالصراع هو مع مَن سَلَب فقط، فقد يسلب حقك و أرضك و يقتلك و يشردك مَن دمه و دينه مثلك، فهل هذا يقتضي أن لا تدافع عن حقك؟.
فاليهود بشر مثل المسلمين و العرب و لا يختلفون في خوّاصهم الفيزيائية عنهم، و لذلك إن تبنّى العرب  نظرية أنّ دمهم أعلى مرتبةً من دم اليهود فسيقعون في نفس خطيئة اليهود بادعاء أنّهم {شعب الله المختار} فالمشكلة هي أنّهم يعتقدون و يتصرفون وفقاً لمبدأ أن دمهم أرقى من دم العرب، و أنّ الفلسطينيين بلا حقوق، و أنّ  لليهود الصهاينة الحق بأخذ ما يريدون ما داموا يمتلكون القوة و الدعم الدولي، و لذلك نقض كلام الهباش يقع في الأصول الأولى التي أدّت لسفك الدماء، و هي قتل و تشريد و احتلال أراضي الشعب الفلسطيني التي أجبرته على أن يقاوم  هذه الإبادة و التشريد الممنهج على يد الحركة الصهيونية، و لذلك يتحمل مسؤولية سفك دم هؤلاء مَن جلبهم ليسلبوا حقوق غيرهم.
يعيش اليهود بين العرب و المسلمين منذ مئات المسلمين، و لم يلجأ عربي أو مسلم لقتلهم لكونهم يهود، و لم يكن بينهم صراع إلا في مراحل معينة تتعلق بالممارسة السياسية و الصراع الحربي مع الخصوم في الجزيرة العربية، أما العلاقة فكانت ممتازة بين الطرفين طوال فترة الحكم العربي ـ الإسلامي، و كان اليهود يهربون من أوروبا المسيحية للاحتماء بالعرب و المسلمين، و كانت لهم مكانة كبيرة في الأندلس، حيث تفاخر اليهود في موسوعتهم بأنّ هذه الفترة تُشكِّلُ {عصرهم الذهبي} و هكذا كانت حياتهم في الدولة العثمانية و غيرها، و لذلك لم تنجح محاولات نابليون في استمالتهم عندما حاصر عكا.
خلاصة القول أنّ الكثير من اليهود يرفضون الصهيونية و يرفضون سلب حقوق الشعب الفلسطيني، بينما يوجد عرب و مسلمين و مسيحيين من غُلاة الصهيونية، و هذه لا علاقة لها بنوع الدماء التي تجري في عروق النّاس.

 

* كاتب فلسطيني/ رام الله

 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد