اخباريات فلسطينية

المؤسسات الإعلامية في نابلس تُذبح بسكين "التمويل"!!

|
المؤسسات الإعلامية في نابلس تُذبح بسكين "التمويل"!!

اخباريات - أمين أبو وردة وهديل أبو شهاب *:  يتوقف زبون داخل محل تجاري وسط ميدان الشهداء في مدينة نابلس، يسأل شابا متواجدا هناك "مش إنت الصحفي عميد معاني؟"، يصادق عميد على كلام الزبون المصاب بالدهشة من تحول صحفي إلى موظف في محل تجاري، دون أن يدرك ذلك الزبون "الثرثار" الظروف التي أدت إلى هذا التغيير في حياة معاني المهنية.
عميد عمل في الصحافة لعقد كامل من الزمن، لكنه ليس وحيدا، فالعشرات من زملاء المهنة، اضحوا في ميادين بعيدة عن دراستهم وخبرتهم التي واكبوها في أحلك الظروف.
كان "الصحفي السابق" حاضرا دائما في الميدان، يلاحق الدبابات بالكاميرا، ويتابع كل صغيرة وكبيرة في محطة تلفزيون آفاق التي لم يعد لها وجود بفعل الظروف المالية الصعبة التي تمر بها المؤسسات الإعلامية، فكانت واحدة من خمسة محطات أغلقت أبوابها كليا، بينما تعاني المؤسسات العاملة بما فيها الإذاعات والمكاتب الصحفية، من أوضاع مالية صعبة تهددها بالإغلاق في ظل العجز عن دفع رواتب العاملين في تلك المؤسسات.
 وكانت مدينة نابلس تحتضن قبل اكثر من عشر سنوات 10 محطات تلفزة و5 اذاعات محلية، تستوعب في مجملها اكثر من مائة صحفي، اضافة الى فنيين واداريين.

خالد معالي


يرى الباحث الاعلامي خالد معالي أن الوضع الإقتصادي  في شمال الضفة الغربية يعد دون الحد الأدنى لحياة كريمة، مما إنعكس سلبا على وضع الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية، التي وجدت نفسها وحيدة تجابه كل متطلبات العمل والظروف الصعبة.

لولا ايمان الاعلامي الفلسطيني بعدالة قضيته، كما يقول معالي لما استمر في  العمل في الميدان الاعلامي رغم ملاحقته من قبل والاحتلال على مدار الساعة ناهيك ان دعم المؤسسات او الشركات للاعلام دون المستوى والاعلانات وان وجدت تكاد تغطي بعض الاحتياجات.

ويتابع معالي: "هناك شريحة من الاعلاميين يضطرون للعمل في مجالات  اخرى كي يسد رمق عائلته وهو ما يقتل الابداع الاعلامي  وتطوره  ومن هنا يجب اعادة تفعيل الدعم للاعلام على مختلف المستويات ولا يجوز السكوت عن هكذا وضع اعلامي. الا أنه يمكن التغلب على صعوبات الإعلام في  تأدية دوره المنوط به عبر دعمه بشكل عاجل وليس التنقيط،  ومن ثم دعمه بشكل  متواصل وفاعل حتى يستطيع ان يقوم بدروه في نصرة قضيته.
 
أزمة حقيقية
ويتفق الاعلامي رومل السويطي مدير مكتب صحيفة الحياة الجديدة بمحافظة نابلس، ومدير شبكة اخباريات الالكترونية، مع التقييم بوجود أزمة في المؤسسات الإعلامية، وقال تظهر الأزمة من خلال عجز المؤسسات الإعلامية عن توفير أجور أو رواتب الصحفيين، مما ينعكس سلبا على أداء هذه المؤسسات".

رومل السويطي


ويرى أنه يمكن التغلب على الأزمة من خلال تفعيل العلاقة بين هذه المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الاقتصادية وخاصة الكبيرة منها، من خلال نشر الإعلانات السنوية.

مضيفا: "ليس من المعقول أن تطلب هذه المؤسسات الاقتصادية من الإعلام نشر أخبارها والترويج لها دون أن يكون لها دورا في مساندتها ماليا، بمعنى "خدمة مقابل خدمة" حتى تستمر مؤسساتنا الإعلامية في العمل.
ويبدي السويطي إنزعاجه بعدم وجود مؤسسات ترصد التراجع والازمات الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات.

فيما تؤكد الصحافية رحاب شعراوي مديرة وكالة انباء "فينيق نيوز"، ان الازمة المالية للمؤسسات الاعلامية غالبا ما تبدأ بالظهور مع تناقص رأس المال المرصود للمؤسسة في غصون امد قصير، وذلك  بسبب عدم وجود مردود مالي كافي يترتب على النشر او البث ذاثه.
وتشير الشعراوي: "ان الازمة الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات الاعلامية تبرز من ضعف المادة المنشورة مهنيا وقلة المنتج منها ذاتيا، اضافة الى قلة الكوادر المؤهلة في المؤسسات الاعلامية وضعف الشكل والاخراج، وتدني القدرة الى الوصول الى جمهور واسع، وغياب خطط التطوير، عدم التزويد باجهزة عصرية تخدم طبيعة العمل الصحفي وتواكب التطور وكل ذلك يعود الى تدني قدرة المؤسسات الاعلامية ماليا على استقطاب وجذب وتوظيف كوادر مؤهلة باعداد كافية.

وترى الشعراوي انه يمكن التغلب على المشكلة المالية من خلال توفير مادة اعلامية خاصة تهم الجمهور وبذل جهد اكبر للوصول الى اكبر قطاع للفت الانتباه والحفاظ على التوصل وهذا بدوره يعزز قدرة الوسيلة الاعلامية على تسويق منتجها وجذب اعلانات ورعاية وزيادة التوفير مما يوفر مصدر مالي يغطي التكاليف ويحافظ على استمرارية الوسيلة الاعلامية.

د. فريد أبو ضهير


إشكاليات التواصل
واوضح المحاضر في جامعة النجاح الوطنية الدكتور فريد ابوضهير، ان من آثار الازمات الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات الاعلامية  هو نقص عدد المؤسسات في فلسطين التي تحتاج الى مراسلين، وصعوبة التواصل مع المؤسسات الاعلامية خارج فلسطين، وايضا عدم قدرة تلك المؤسسات على دفع المستحقات اللازمة للعمل ،بالاضافة الى حدوث اشكالات مع مؤسسات عربية خارج فلسطين فيما يتعلق في الاتفاق على مبالغ معينة او دفع المستحقات للمراسلين.

ويتابع ابوضهير: "عدد الخريجين في ازياد بالرغم من عدد المؤسسات الاعلامية ثابتة او حتى في تناقص لأن معظمها اغلقت نتيجة الظروف الاقتصادية التي تمر بها.

ويضيف انه يمكن التغلب على هذه المشكلة من خلال فتح افاق عمل مع الخارج واستحداث مؤسسات فلسطينية جديدة خاصة بالمواقع الكترونية.

وينوه إلى أن للاحتلال دور كبير في تدني وضع المؤسسات الاعلامية اقتصاديا، فمثلا تعرضنا لاكثر من مره لعمليات دهم واغلاق  للمكتب ولكنها كانت مشكلة مؤقتة ومحدودة بفترة زمنية معينة وليست مستمرة.
 وطالب ابو ضهير المؤسسات الاعلامية الكبرى ان تتطور عملها وتستحدث مراسلين ووسائل جديدة للعمل الاعلامي، وتحافظ على وجودها من خلال مواكبة التطور الاعلامي.

مسؤولية مشتركة

ريما العملة


تعزو الاعلامية ريما العملة مراسلة تلفزيون فلسطين بنابلس التراجع الاقتصادي للمؤسسات الاعلامية لغياب الرؤية لدى اصحاب المحطات الاذاعية والتلفزة الخاصة في تقديم مادة ذات جودة حالية تستقطب المتلقي واعتمادها على النقل عن الفضائيات (سرقة بلون آخر) وعدم مراعاتها للعاملين معها في دفع مقابل جهدهم الى جانب غياب الابداع والتطرق لقضايا محلية بشكل معمق يفرض مادة قوية في الفضاء الاعلامي.

تراجع قسري
  من جانبه، يؤكد عميد دويكات من راديو طريق المحبة أن وضع المؤسسات الاعلامية تراجع ماديا خلال الحرب الاخيرة على قطاع غزة،  حيث ترددت شركات مثل جوال والوطنية وغيرها عن نشر اعلاناتها بالاضافة الى ان هناك العديد من البرامج التي توقفت عن البث في الفترة الاخيرة بسب الازمة الاقتصادية.
وطالب دويكات من المؤسسات الاقتصادية الكبيرة ان تقوم بتقديم الدعم للمؤسسات الصغيرة.
ويضيف دويكات ان أغلب المؤسسات الاعلامية هي عبارة عن شركات تجارية تعمل في مجال الاعلان والدعاية والاعلام، وبالتالي عدم وجود دخل لوسائل الاعلام سوف يؤدي الى عدم استمرارية عملها لفترة طويلة، وأن رأس المال هو بالنهاية استثمار لاشخاص معينين مثل وسائل الاعلام سواء لمحطات اذاعية او مكتوبة او تلفزة .

الجهات الرسمية تقر بالأزمة
ويتفق ماجد كتابة مدير مكتب وزارة الاعلام بنابلس مع الاعتقاد بانه هناك ازمة تعيشها المؤسسات الاعلامية في محافظة نابلس مرتبطة بالواقع السياسي والاقتصادي الذي انعكس سلبا عليها بدءا من بدايات انتفاضة الاقصى وحتى الان مما يفسر الضعف في عمل واداء تلك المؤسسات. وقال انه 5 محطات تلفزة اغلقت ابوابها في محافظة نابلس وهناك مؤسسة سادسة اغلقت لكنها تفكر بالانطلاق من جديد والبعض مما تمكن من البقاء معتمد في بعض الاحيان على مشاريع ممولة.

ماجد كتانة

ونوه الى ان الكثير من المؤسسات الاعلامية سرحت طواقمها كما  قلت الرواتب بسبب ازمتها المالية وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها.
في نفس السياق، تقول عبير الكيلاني مديرة تلفزين جاما،أن من الازمات التي تعاني منها المحطات المحلية انها  تعتمد على الدخل الفردي من الاعلانات التجارية، اي ان تدني الوضع الاقتصادي من الممكن ان يؤثر على عمل المحطة، وتقول "مشكلة انقطاع الرواتب او الحروب هذا بدوره يؤثر على العمل في المحطة، ايضا في قترة الانتفاضة والحروب عملنا يكون اكثر في التغطية الاعلامية وهذا بحاجة الى ايدي عاملة اكثر من مراسلين وغيرها."
وتضيف الكيلاني،:"لا يوجد اي مؤسسة تقوم بمتابعة التراجع الاقتصادي التي تعاني منها المؤسسات الاعلامية فقط هناك مؤسسة "الاحصاء المركزي" تقوم بعمل استبيانات بهدف اخباري فقط وليس بهدف تطوير او تعويض الخسائر للمؤسسات.

من وجهة نظر الصحفي عماد سعادة فان الازمة الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات الاعلامية في محافظة نابلس مردُها الى ظروف صعبة. فالوضع الاقتصادي السيء الذي تعيشه الاراضي الفلسطينية قد أرخى بظلاله على العديد من القطاعات بما فيها المؤسسات الاعلامية.

ويتابع انه من المعروف ان المؤسسات الاعلامية تعتمد في  جزء كبير من التمويل على "الدعاية والاعلان"، وقد تراجع  سوق الدعاية والاعلان في المحافظة بدرجة كبيرة نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور، فالشركات والمصانع والمؤسسات المختلفة باتت تنظر الى الاعلان على انه "تكلفة زائدة" لا تعود بالنفع المادي عليها، وبالتالي اصبحت تحجم عن نشر الاعلانات التجارية. يضاف الى ذلك ان هذه الشركات والمؤسسات في حال ارادت نشر اعلانات تجارية فانها تقتصر على عدد محدود جدا من وسائل الاعلام، وتختار عادة الوسيلة الاوسع انتشارا، وفي حالات اخرى الاقل سعرا، واحيانا يتم اعتماد مكاتب او مؤسسات اعلامية معينة دون غيرها بسبب العلاقات الحزبية، او العلاقات الشخصية.

تجارب قاهرة
ويسلط الاعلامي عدنان مسيمي والذي عمل اكثر من 11 عاما في محطات التلفزة المحلية الضوء تجربة عايشها جعلته حاليا بعيدا عن العمل الاعلامي، عازيا توقف الكثير من المحطات عن العمل الى  الاعباء المالية الضخمه جدا وحجة الترخيص للموجه والتي وصلت في بعض الاحوال الى اكثر من 10 الاف دينار، وتكون الموجه للبث محصورة فقط بنابلس كمدينة والحجة الاضافية فوق ذلك بان اسرائيل تمانع.
وعرج على سبب اخر للتراجع عدم دعم هذه التلفزه ولو باالشيئ الرمزي من قبل المؤسسات الحكومية والخاصه لانه تطلب وضع  اعلاناتها مجانا فيما هناك خلل في ادارة هذه المحطات بسبب عدم امتلاكهم الشهادات العلمية بمجال عملهم وهو مجرد مشروع ربحي تجاري خاص يعني باختصار المصلحة الخاصه فقط.

وامام حالة التراجع والانحسار في اعداد المؤسسات الاعلامية في محافظة نابلس اطلق الاعلامي جعفر اشتيه ممثل نقابة الصحافيين بنابلس دعوة لتشكيل هيئة عليا تشمل القطاعين الرسمي والاهلي والخاص من اجل المحافظة على صوت الاعلام المحلي من تلفزة واذاعات ومكاتب صحفية، لانها تلعب دورا في حمل اعباء قضايا المحافظة خاصة في احلك الظروف. واقترح ان تضم الهيئة المحافظة ووزارة الاعلام ونقابة الصحافيين والمؤسسات الكبيرة في المحافظة كالبلدية والغرفة التجارية والقوى السياسية تأخذ على عاتقها الوقوف على اضرار وظروف عمل تلك المؤسسات والعمل على ابقائها ومنع اغلاقها من اجل مواصلة اتمام رسالتها.
وتبقى  المؤسسات الاعلامية امام  امتحان عسير للتغلب على مشاق الظروف، اما مواجهة قدرها لوحدها، او ايجاد  مخارج ابداعية فوق العادة.

 

* موقع اصداء

 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد