فسحة للرأي

اللهم اجعله خيرا

عدلي صادق |
اللهم اجعله خيرا

كتب - عدلي صادق:  في الوقت الصباحي القصير، الذي اتصفح فيه حسابي على برنامج التواصل "فيس بوك" فوجئت بطلب "صداقة" من الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. وفي الحقيقة، ظننت أن الراغب في الصداقة على "الفيس" هو العزيز "كوفي" سائق سيارة الأجرة على خط طويل، من منفذ رفح الى القاهرة أو الى ما يشاء الراكبون. و"كوفي" هذا هو مسعد أبو اشتيوي، البدوي الأسود الجميل الباسم، الذي اختصه عاملو مقهى الاستراحة في القنطرة، بلقب "كوفي عنان". فالعاملون في مقهى القنطرة، يمنحون زملاءهم وأصدقاءهم مسميات مثيرة. سمعتهم مرة ينادون على واحد منهم بصوت عال وبلقبه الدارج: "يا صحاف". سألت واحدا منهم، عن حقيقة أمر هذا الاسم، فأجابني العامل الذي لا علم له بالسياسة: "لا.. هو اسمه مش كده. ده اسمه في الشغل بس. سمعت انه اسم واحد من بتوع المرحوم صدام كان يكذب، والواد ده كذاب". أيقنت لحظتئذ، أن خيبة الأمل التي آلت اليها التصريحات المبشرة بالنصر، التي كان يدلي بها محمد سعيد الصحاف، وزير خارجية وإعلام العراق أثناء الغزو الأميركي؛ قد استحثت ردود أفعال حانقة، لا سيما وأن الرجل، لم يصبح مطلوبا بعد الاحتلال الأميركي. وعندما قبضوا عليه، حظي بمعاملة ضيف مرموق، إذ نقلته وأسرته طائرة خاصة، الى حيث يريد، وكأنه ليس هو صاحب تسمية الأميركيين بـ "العلوج" الذين ينتحرون على أسوار بغداد. وهذا وصف استعصى على الترجمة الى الإنجليزية!

ربما تكون تجربة الصحاف، مثالا يؤسس لشبهة فراغ المضمون أو امتلائه بالسم الزعاف، في ثرثرات كل متطرف متزيد في اللفظ. ويؤكد المثال، على النزعة الطائفية لدى من جاؤوا لحكم العراق على ظهر الدبابة الأميركية. فالصحاف شيعي ولد في منطقة كربلاء!
بعد أن رحبت بـ "صداقة" الأمين العام السابق للأمم المتحدة؛ تذكرت مقالة لي عنه، لا بد أن يكون الأميركيون قد أمدوه بترجمة لها. فقد كتبت سطورا قلقة، تعليقا على تعيين الرجل بعد تركه لمنصبة، مبعوثا أمميا الى سوريا، بعد انفجار غضب شعبها. استذكرت مهمته في رواندا، عندما كان أمينا عاما مساعدا للأمم المتحدة في العام 1994. كان مكلفا بمعالجة الصراع الطاحن، بين الأغلبية من قبائل الهوتو والأقلية من التوتسي. ولما لجأ الألوف من الطرف الضعيف، الى قوات الأمم المتحدة، لكي تحميهم، لم توفر تلك القوات الحماية لهم، فذبح ثمانمئة ألف إنسان. ومن المفارقات الجارحة، أن رئيس رواندا آنذاك، ومعه رئيس البوروندي التي يشملها الصراع، بحكم أن سكانها من القبائل ذاتها؛ عندما ألمحا الى مسؤولية عنان عن القتل، كان جزاؤهما الموت. فقد ذهبا الى إفريقيا الوسطى، لإنجاز اتفاق سلام، ونجحا، وأرادا العودة سريعا الى رواندا لزف البشرى. ولما بدأت الطائرة في الهبوط التدريجي واقتربت من مطار العاصمة "كيغالي" رميت بصاروخ كتف، فسقطت وتحطمت وقتل رئيس رواندا جوفينال، ورئيس بوروندي سيبيريان، فازداد الموقف اشتعالا وارتفعت وتائر الإبادة. كانت هناك حقائق في بطن عنان يعرفها ويعيشها، وهي أن الصاروخ خرج من عباءة الضابط بول كاغيم، المتدرب في الولايات المتحدة، الذي مكنته واشنطن، بعدئذ، من حكم رواندا. والمثير في الأمر، أن صندوق الطائرة الأسود، اختفى تماما، فطويت القضية. ثم دفعت الولايات المتحدة بعنان، بعد فترة، الى الأمانة العامة للأمم المتحدة فأصبح رجلها الأول. وبعد عامين من تسلمه، عثر أحد موظفي المنظمة الدولية، على الصندوق الأسود، داخل المخزن الذي يضم متعلقات عنان الشخصية. وظلت واشنطن تستقطب عنان ابتزازا، بجريرة ملفه عندها، وأضيف سبب آخر للابتزاز، وهو سرقات ورشى معلومة في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي رعته الأمم المتحدة في العراق، والثاني دور نجل عنان، الذي جرى تعيينه مراقبا لمواد الغذاء والدواء، ومستشارا لصندوق الأمم المتحدة التابع لذلك البرنامج. فقد كانت للشاب مسؤولية حصرية عن الفساد المعزز بالتأييد الأميركي!
على الرغم من ذلك كله، رحبت بطلب "صداقة" "كوفي" الأصلي على "الفيس" وقلت اللهم اجعله خيرا.. ليت مسعد ابو اشتيوي هو من يطلب. تذكرت أن "كوفي" المصري، لا علاقة له بالحاسوب غير ذي الأحاسيس، ولا يعرف شيئا عن الأول. ولو عرف لقاوم التسمية. هو يتسم بالبراءة والشهامة، والصداقة بيننا من النوع الحي والمباشر!

adlishaban@hotmail.com

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد