تقارير وتحقيقات

معبر رفح البريّ سيف مصريّ مسلّط على رقاب الغزيّين

|
معبر رفح البريّ سيف مصريّ مسلّط على رقاب الغزيّين

 

اخباريات - محمد عثمان *:  تحوّل معبر رفح البريّ الواصل بين مصر وقطاع غزّة، منذ عام 2007، إلى سيف مسلّط على رقاب الغزيّين، وأصبح إغلاقه متكرّراً على مدار العام، تارة في حجّة الأمن القوميّ المصريّ، وطوراً في حجّة الانقسام الفلسطينيّ وسيطرة حركة "حماس" على القطاع، ليكون بذلك أداة ضغط يستخدمها المصريّون وقتما يشاؤون على أهالي القطاع، وتزيد من معاناتهم في ظلّ الحصار الإسرائيليّ المحكم لغزّة.

إنّ العمليّة الإرهابيّة في منطقة "كرم القواديس" بمدينة الشيخ زويد في شمال سيناء في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، والتي ذهب ضحيّتها أكثر من ثلاثين جنديّاً مصريّاً، ورغم وقوعها داخل الأراضي المصريّة وإغلاق الغالبيّة العظمى من الأنفاق بين مصر وغزّة، إلاّ أنّ أصابع الاتّهام وجّهت من الدولة والإعلام المصريّين في شكل سريع إلى القطاع وفصائله، ليكون المعبر والمواطنون هم الضحيّة الثانية، للأوضاع الأمنيّة المتردّية في سيناء، بعد مقتل الجنود المصريّين.

وصدرت تصريحات من جهات سياديّة مصريّة كثيرة في اليوم التالي للعملية تقول إنّ عمليّة عسكريّة بدأها الجيش المصريّ في سيناء للقضاء على ما أسمتها تلك الجهات "أوكار الإرهابيّين"، ستتراوح مدّتها بين ثلاثة إلى ستّة أشهر، وبالتّالي ستكون مدّة إغلاق المعبر طويلة.

وأشار ل"المونيتور" سعيد الطويل الذي يدرس في جامعة السويس بشمال سيناء، وهو يبلغ من العمر 28 عاماً، ويعتبر أحد المتضرّرين من إغلاق المعبر، إذ كان من المقرّر سفره إلى مصر بعد حادثة مقتل الجنود بأيّام قليلة لمناقشة رسالة الماجستير، غير أنّ الإغلاق حال دون ذلك إلى أجل غير مسمّى، إلى أنّه وغيره العشرات من الطلاّب الغزيّين باتوا غير قادرين على السفر وإكمال إجراءات التخرّج من برنامج الماجستير في مصر، ممّا يهددهم بخسارة كلّ ما دفعوه خلال عامي الدراسة، وقال: "لقد دفعت الكثير من الأموال خلال دراستي في مصر، إلاّ أنّني مهدّد بأن أخسر مبلغ الـ1200 جنيه استرليني الذي دفعته للمناقشة بسبب التأخّر في حضورها".

وأوضح المدير العامّ للمعابر في قطاع غزّة ماهر أبو صبحة أنّ أمر الإغلاق من قبل المصريّين حتى إشعار آخر، لافتاً إلى أنّ الأمر يرتبط بالحال الأمنيّة في سيناء ومدى تحسّنها من وجهة النّظر المصريّة، وقال لـ"المونيتور": "حينما يتحدّث الجانب المصريّ عن حال طوارئ في سيناء لمدّة 3 أشهر، وإعلان منع التّجوال لساعات تصل إلى 14 ساعة يوميّاً، فحتّى لو فتح المعبر فالأمور ستكون صعبة جدّاً. وأتوقّع، كما تعوّدنا، أنّ المعبر سيُفتح بعد أيّام قليلة لإعادة العالقين لدى الجانب المصريّ إلى قطاع غزّة".

وتوقّع أن يدوم إغلاقه لأيّام طويلة، متسائلاً عن ذنب الغزيّين في ما يجري داخل الأراضي المصريّة، لافتاً إلى أنّ الإغلاق سيؤثّر على جميع سكّان القطاع، وقال: "سيتضرّر جميع سكّان غزّة البالغ عددهم مليون وثمانمائة وخمسين ألف مواطن، ومعبر رفح هو منفذهم ومتنفّسهم الوحيد إلى العالم الخارجيّ في ظلّ وجود حصار إسرائيليّ مضروب على القطاع ونقص للغذاء".

أضاف: "في الأيّام الاعتياديّة، يفترض أن يسافر عبر المعبر خمسة آلاف شخص، غير أنّه في أوقات الطوارئ التي كان يتعامل معنا على أساسها الجانب المصريّ كان يسافر ألف وخمسمائة مسافر، وهم أصحاب حاجات للسفر. ولا يتوقّف الأمر عند السفر إلى مصر، وإنّما إلى دول أخرى، كالطلاّب والتجّار والمرضى. لذلك، حينما نتحدّث عن إغلاق المنفذ الوحيد، فإنّ المصريّين يُطبِقون الحصار تماماً على القطاع".

وقال أبو صبحة: من حقّ مصر الحفاظ على أمنها القوميّ، لكن ليس من حقها العمل على موت سكّان القطاع وإضاعة مستقبلهم.

ولفت إلى وجود مئات التّحويلات الطبيّة التي تصدرها وزارة الصحّة لمرضى السرطان والفشل الكلويّ والكبد الوبائيّ، وهم في حاجة إلى العلاج في الوقت الرّاهن.

وأشار إلى أنّ الوضع يبدو بسيطاً حينما نغفل زاوية مهمّة من المشكلة والمتمثّلة في العالقين من أهالي القطاع بالدول الأخرى، وقال: "لمجرّد حدوث حدث ما، يغلق المعبر ويتمّ التّعميم من قِبل المصريين على كلّ المطارات بعدم نقل الغزيّين إلى مطار القاهرة الدوليّ، ليبقوا عالقين في دول عدّة إلى حين إعادة فتح المعبر، وتسوء هناك أحوالهم".

ووفقاً للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لعام 1948، كلّ الأشخاص مخوّلون بالحقّ بالكرامة الموروثة وبعض الحقوق التي لا يجوز التصرّف بها، والتي تعتبر الأساس للحريّة والعدالة في العالم، إذ أنّ حريّة التنقّل هي جزء من حريّة الفرد، التي تجعلها إحدى الحقوق الأساسيّة لحقوق الإنسان.

وتنصّ المادة (13) من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان على أنّ "لكلّ فرد الحقّ في حريّة التنقّل والسكن ضمن حدود الدولة. ولكلّ فرد الحقّ في مغادرة أيّ دولة، بما فيه دولته والعودة إليها". 

وتوقّع مراقبون ومحلّلون سياسيّون فلسطينيّون أن يستمرّ الإغلاق لفترات طويلة طبقاً لتصريحات الجانب المصريّ، وأوضح المحلّل السياسيّ الدكتور وليد المدلّل أنّه وبالنّظر إلى القرارات المصريّة السياديّة والحديث عن الإجراءات الاستثنائيّة التي ستستمر لعامين، فإنّ الحديث يدور عن فترة إغلاق طويلة الأمد، ممّا سيخلّف مشاكل كبيرة.

 

وقال المدلّل لـ"المونيتور": إنّ الوضع الطبيعيّ هو إغلاق المعبر، والاستثناء فتحه. وأشار إلى أن "إغلاقه في شكل دائم يوجّه ضربة إلى كلّ أصحاب الحاجات من مرضى ومصابين وطلبة، فما بالك إذا استمرّ هذا الإغلاق لفترات طويلة".

وأرجع المدلّل حال الإغلاق المتكرّرة والمستمرّة للمعبر، والتي كان آخرها قبل أيّام، إلى حال العداء بين النظام المصريّ والإخوان المسلمين، واعتباره حركة "حماس" امتداداً للأخيرة، مشيرا إلى أنّ مصلحة النظام المصريّ إبقاء الحال مضطربة وإشغال المواطنين المصريّين عن المشاكل الحياتيّة.

ووصف إغلاق المعبر بالعقوبة الجماعيّة التي تطال مواطني قطاع غزّة جميعهم، وهي مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدوليّ والإنسانيّ وضارّة بمستقبل العلاقات بين الشعبين. وقال: "رغم تأكيد حماس والفصائل الفلسطينيّة عدم مسؤوليّتهما عمّا يحدث داخل الأراضي المصريّة، إلاّ أنّ النّظام المصريّ يصرّ على تحميلهما المسؤوليّة من دون إقامة الدليل على كلّ هذه الاتهامات التي يصدّرها إلى القطاع ويسمح للإعلام المصريّ ببث الكثير من الكراهيّة عبر شاشاته وصحفه من دون وضع اعتبار لحقوق الجيرة والعلاقة التاريخيّة بين الشعبين".

معبر رفح البريّ، بوّابة الغزيّين إلى العالم الخارجيّ، والتي تُغلق في وجههم في شكل دائم، تحوّل بفعل ألاعيب السياسة إلى مقصلة لهم وسيفاً مصريّاً مسلّطاً على رقابهم.


* المونيتور

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد