فسحة للرأي

حياتنا - أبو نصر

حافظ البرغوثي |
حياتنا - أبو نصر

كتب - حافظ الرغوثي:  رحل الحاج أبو نصر ابن الرابعة والتسعين، آخر من يرتدي القمباز «الديماية» في قريتنا.. ومن قبله رحل أبو تميم الذي ظل بزيه الفلسطيني حتى آخر رمق, أبو تميم أمضى سنواته الأخيرة على عكازين، ومع ذلك ظل يزور أرضه، وفاجأته ذات يوم وصورته وهو يعشب أرضه وقد أمسك العكازين بيد والأخرى تقتلع الأعشاب وهذه الصورة اعتز بها وأحافظ عليها. ومع هذين الأصيلين رحل عبد الله الحان وقد قارب التسعين أيضاً، فقد الذاكرة ولم يفقد الأرض من ذاكرته، نسي كل الأسماء والوجوه وظل يتمتم باسم أرضه «الجردة» حتى فارق الحياة. 

أما أبو نصر فلازم بيته منذ أقل من سنة بعد أن كان نشيطاً يصل المسجد خمس مرات يومياً من منزله الواقع على تلة شمال القرية وصعود الطريق يتعب الشبان, ولعل سبب طول عمره هذا المشوار المتكرر وتلك «السرحات» اليومية على أرضه. دخن الهيشة أكثر من 70 سنة وظل يرتدي القمباز الذي يواجه الانقراض، فبينما تتغنى الشعوب الأخرى بالزي التقليدي، لم يعد أحد يرتديه ولم يعد ثمة خياطون يتقنون حياكته. مع رحيل هذا الجيل يرحل القمباز والسروال والحطة والجاكيت الثلثيني، ويرحل عشاق الأرض.
كان أبو نصر وشقيقه يحرثان قطعة أرض وجلسا يتناولان طعام الفطور واسترخيا قليلاً وهم أحدهما بالقيام لإكمال الحرث قائلاً «ياخوفي بكره إذا متنا سيقال لنا في الآخرة قوموا احرثوا» فرد الآخر «أكيد راح نحرث، يعني بتتخيل يقولوا لعبد الحليم حافظ قم واحرث؟".
يقول أحد العمال ان أصعب المهن حراثة الأرض.. ثم قطف الزيتون.. ثم الحصاد.. ثم شغل الباطون. ومع ذلك تباع تنكة الزيتون بسعر المازولا ويموت عشاق الأرض ولا أحد يتذكرهم. رحمهم الله ويرحم الله ما تبقى من أرض.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد