فسحة للرأي

نوبل وكونفيشيوس وأبو عين

عدلي صادق |
نوبل وكونفيشيوس وأبو عين

 كتب - عدلي صادق: عندما استاءت بكين، من منح جائزة نوبل للسلام، للمعارض والناشط السياسي "ليو تشاو بو" في العام 2010؛ أعلن المركز الصيني الدولي لأبحاث السلام، عن تأسيس "جائزة كونفيشيوس" الموازية، وهذه هي التي مُنحت قبل أيام للزعيم الكوبي المتقاعد فيدل كاسترو. لكن المفارقات والفوارق، ظلت شاسعة بين الجائزتين، وليس أعظمها أن نوبل، تقدم للفائز، مع ميدالية الفوز الشرفيّة مليون ونصف المليون دولار، بينما كونفيشيوس، تنقد الفائز خمسة عشر ألفاً لا غير، مع الميدالية التذكارية. 

الاختلاف الجوهري، هو بين ألفرد نوبل، وكونفيشيوس. فالأول، عالم فيزيائي وكيميائي سويدي، اخترع الديناميت، وكان أبوه صانع سلاح، أما الثاني فقد عاش ومات وهو يعمل في ميدان الحكمة ويتوافر على إطاعة قلبه. كان يعظ في الأخلاق، مولعاً بالموسيقى، وتوفي أبوه وهو في سن الثالثة وشبَّ يتيماً. أما الزمن الذي يفصل بين الرجلين، فهو أربعة وعشرون قرناً. وُلد كونفيشيوس قبل الميلاد بـ 551 سنة، أما نوبل فقد وُلد في السنة الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي. 
ربما يكون الصينيون، قد فتشوا عن رمز للسلام، فلم يجدوه في أيديولوجيتهم السائدة الآن، فوضعوا "ماو" و"شوين لاي" جانباً، وعادوا منظومتهم القيمية الاجتماعية القديمة، التي أرساها كونفيشيوس بعد أن سعى في الزمن الغابر، الى تكريسها في حياة الناس، وأبلغهم أنه يقرأ إرادة السماء. والنرويجيون، اعتمدوا بأمانة، وصية الفرد نوبل، التي سجلها في لحظة استيقاظ للضمير طرأت بمحض المصادفة، فأضاف لجوائز العلوم جائزة للسلام. كانت المصادفة، عندما توفي شقيقه، فأخطأت صحيفة فرنسية وكتبت نعيه هو، ظناً منها أن المتوفى الفرِد وليس لودفيج، فكتبت:"مات أمس صانع الموت". كان في لحظة شجن مضاعف، وهو يقرأ نعيه في مسكنه الباريسي، بعد أن قهرته امرأة. أسس الفرد بثروته، شركة ربحية لتمويل جوائز باسمه بعد مماته، ويبلغ رأسمال الشركة اليوم 472 مليوناً، والأهم من ذلك هو سمعتها. ومنذ يوم وفاته، في العام 1896 ظلت اسكندنافيا وفيّة لرجل بدأ بالديناميت وانتهى ملوحاً بغصن الزيتون. أما التعيس كونفيشيوس، فقد مات حزيناً مهملاً مضطهداً. هاجر وطاف البلدان الصينية مبشراً بتعاليمه ولا حياة لمن تنادي، حتى أدرك واحدة من ألمع قناعاته: "إني لا أفتح باب الحق لمن لا يحرص على معرفته، ولا أُعين من لا يُعنى بالإفصاح عما يُكنه صدره". وعن البلداء قال: "العقل كالمعدة، المهم ما تهضمه لا ما تبتلعه".
استفاق الصينيون بعد موته بأربعة قرون، على جماليات مقولاته وتعاليمه، وظلوا على امتداد نحو عشرين قرناً، ينسجون الحكايات والأساطير حول شخصه وحياته، حتى اندلعت ثورة الصين بقيادة "ماو تسي تونغ" في العام 1949 فاستُبدلت الكونفشيوسية بالشيوعية!
غير أن جائزة الصين الشيوعية للسلام، ولدت في العام 2010 كونفوشيوسية. وقال الصينيون، إنهم يطرحون جائزة السلام هذه من منظور شرقي، وانطلاقاً من تعاليم السلام الكونفوشيوسية تحديداً. ففي شرح أسباب فوز فيدل كاسترو قبل أيام، قالوا "إن هذه الأيقونة الثورية التي يمثلها الرجل، لم تَدعُ الى العنف أو الى استخدام القوة في حل النزاعات الدولية، حتى مع الولايات المتحدة الأميركية". وهذا هو في رأيهم، الذي يجعل جائزتهم أدق اختياراً من جائزة نوبل، التي فازت بها هذه السنة، الفتاة الباكستانية الصغيرة ملالا يوسفزي، الناشطة التي قارعت ظلامية الطالبان في بلادها حيال المرأة!
بقي القول، إن شهيدنا زياد أبو عين، الناشط الفلسطيني من أجل السلام العادل؛ يستحق ترشيحاً حثيثاً، للحصول على الجائزتين. فقد استشهد بالغاز والضربات، ومورس عليه العنف، وهو في سياق الدفاع عن حق شعبه بوسائل لا عنفية. ومعلوم أن والد نوبل، اشتغل في معمل للغاز والطوربيدات في بطرسبورغ الروسية. ولما كان "أبو طارق" قد ارتقى وهو يغرس أشجار الزيتون طلباً للسلام ولمسرّة الأرض والناس، أي لما نذر كونفيشيوس حياته من أجله، فإنه أقرب من سواه لنيل الجائزة. فلشهيدنا زياد، دين على أهل نوبل وأهل كونفيشيوس، لذا يتعين علينا مخاطبة لجنة نوبل ووزارة الثقافة الصينية حول هذا الأمر وترشيح زياد للجائزتين. لقد كان كونفيشيوس يقول:"الاعتزاز بالجهد، أكثر من الاعتزاز بالثَمَر. فحين يغرس المرء الشجرة، ولا يتوخى ثمرها شخصياً، فإن هذا هو الحب. فالحب ثمرة نفسه". طوبى لمن مات في حب وطنه، فهو أجدر بجائزتي سلام، غربية وشرقية!

adlishaban@hotmail.com

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد