تقارير وتحقيقات

منهن المُطلّقة والمُعلّقة والمُعنّفة .. سرطان الثدي في غزة: أُنثى بشريطٍ وردي لكنها "رجل"

|
منهن المُطلّقة والمُعلّقة والمُعنّفة .. سرطان الثدي في غزة: أُنثى بشريطٍ وردي لكنها "رجل" حملة توعوية ضد سرطان الثدي بغزة

 (خاص): إخباريات/ غزة - تحقيق هدى بارود:  لم يكن من السهل السبرَ في أغوار العلاقات الزوجية لمصابات سرطان الثدي في غزة، فالنساء في هذا المجتمع المحافظ كتومات في كل ما يرتبط بالعلاقة مع "سي السيد"، وإن كنَّ يلعنَّ نفور أزواجهن في لقاءاتهن الخاصة، تجدهن يفرشن الأرض بالمخمل الأحمر أمام الملأ، إلا من وصل بها الحال للهجران البائن أو التعنيف، أو الطلاق.

اختلفَ وصف النساء المصابات لأزواجهن وفقَ المراحل العلاجية، تبعاً لما لاحظناه، فمن كُنَّ في بداية إصابتهن تحدثن عن مساندة أزواجهن لهن، ومنهن من أكدن أن العلاقة الإنسانية مع الزوج تحسنت، فيما قالت النساء في مرحلة العلاج الكيماوي أن علاقتهن بأزواجهن متذبذبة، وأنهن لم يعدن مرغوبات كالسابق، وأشارت اللواتي أنهين مراحل العلاج واستؤصلت أثدائهن، أن أزاوجهن إما تزوجوا عليهن أو دخلوا في علاقات غرامية خارج إطار الزواج، أو هجروهن أو طلقوهن.
 
أنا "رجل"!
دُرة- اسم مستعار- لم تتردد وهي تكشف لـ"اخباريات" عن الجرح الذي خلفته عملية استئصال الثديين في جسدها، فبعد نفور زوجها منها لم تعد تخجل من مرضها، تقول :" لم أفكر كثيرا في علاقتي بزوجي منذ عرفتُ بإصابتي التي وصلت إلى مرحلةٍ متقدمة، كان كل ما يعنيني أن أتغلب على المرض وأن يمنحني الله عمراً لأربي أبنائي".
بعدَ استئصال الجزء المصاب من ثديها لأول مرة، أدركت أنها لن تحظَى بعلاقة زوجية جيدة مجددا، وكانت تنتظر أن يُصرح زوجها بالأمر حتى تهدأ هواجسها، غير أن اعترافه جاء بعد انتقال المرض إلى الجزء السليم من صدرها واستئصال ثدييها، إذ تتابع :" صرحَ لي أخيرا بأنه لا يشعر بأنوثتي وأن شكلي بات أقرب إلى الرجل، وقررت منذ ذلك الوقت أن لا أعيره اهتماما".
عرفت درة بعد هُجرانها أن زوجها بدأ علاقة غرامية بزوجته الثانية - قبل ارتباطهما- أثناء مرحلة علاجها الكيماوي، وأن أبنائهما عرفوا بالأمر عندما قرأوا عدداً من الرسائل الغرامية على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تحدثَ في بعضها عن نفوره من زوجته المصابة. 
وتعاني 16.5% من النساء المصابات بسرطان الثدي من تبعاته الجسدية والاجتماعية، وهي نسبة كبيرة إذ ما عرفنا أن هذا النوع من السرطان يعد الأكثر انتشارا في غزة وفق الاحصاءات الرسمية، ويليه سرطان القولون والمستقيم بنسبة 9.6% من إجمالي اصابات السرطان، ويتبعهما في المرتبة الثالثة سرطان الرئة بنسبة 8.5%، فيما وصل عدد مرضى السرطان بشكل كلي في غزة إلى 12600 مصاب وفقَ آخر بيانات وفرتها وزارة الصحة لمعد التحقيق.
 
ضُرتي جذابة ..
سعدية عبد القادر امرأة في نهاية عقدها الخامس ارتبط زوجها بثانية بعد عامين من اكتشافها للمرض، فضفضت لـ"اخباريات" عن ما يدور بداخلها وقالت:" في الأشهر الأولى من إصابتي كان زوجي حنوناً، ساندني وتحسنت علاقتي به، وفي المراحل المتقدمة من العلاج قررَّ الزواج بثانية، ونفذ ذلك رغم اعتراض أبنائنا".
تعرضت المرأة والتي تغلبت على المرض إلى الكثير من التعنيف اللفظي من زوجها بحجة أنها لم تتقبل ضرتها الجديدة، ووصلت الخلافات بينهما إلى حد اللجوء إلى لجان الإصلاح العشائرية والتي كان حكمها في صالحها ماديا على الأقل، وفق قولها.
ظنت سعدية ودرة أنهما ستموتان بعد أشهرٍ من اكتشاف المرض وهما استندتا على ما يبدو إلى أحدث احصائية لوزارة الصحة والتي تؤكد أن سرطان الثدي ثاني سرطان مسبب للوفاة في غزة بنسبة 12.5% في حين كان سرطان الرئة والقصبة الهوائية هو الأكثر تسببا للوفاة بنسبة 13%، وأخيرا سرطان القولون بنسبة 11%.وتُتابع :" لا أعرف هل ألومه على رفضهِ لشكلي وأنا لا أتقبل نفسي، أم ألقي اللوم على النظرة الذكورية التي ترى المرأة جسداً إن فَقدت جزءاً من جاذبيتها صارت غير مقبولة!".
 
احساسهن بالأنوثة تراجع
فاتن عطا الله تميزت بتندرها على كل ما يصدر من رفيقاتها المصابات بسرطان الثدي، إذ أن حديثا يتعلق بتقبل الرجل لشريكته التي باتت بلا أثداء كان جديدا عليها وهي التي طُلَقت بعدَ اكتشافها للمرض مباشرة، فزوجها خشيَّ من تكاليف العلاج، وقرر أن ينفُذَ بجلده.
قالت لـ"اخباريات": "كنت أعمل خياطة قبل زواجي، فأنا ماهرة في فن الحياكة الشعبي –التطريز- وبعد طلاقي عدتُ إلى تلك المهنة لتوفير ما يلزمني من علاجٍ وغذاء"، وتشير إلى أنها لم تجرب شعور أن تكون منبوذة في العلاقة الخاصة.
وزارة الصحة الفلسطينية أعفت مرضى السرطان من تكلفة العلاج في المستشفيات المحلية والخارج، ولم تشترط عليهم تجديد تأمينهم الصحي كذلك، وأزاحت عن كاهلهم دفع ثمن التقارير الطبية، غير أنها لم تُصدر قراراً بنقل مرضى السرطان على حسابها للعلاج في الخارج، أو التكفل برعايتهم أثناء اقامتهم في المشافي مما يزيد الأعباء على المريضات خاصة أولئك اللواتي هُجرنَّ أو طُلقن ولم يعد لهن مصدراً دائماً للدخل.
تُضيف:" لا أخفيكِ أنني رفضتُ ارتداء ملابسَ مكشوفة أثناء فرحِ شقيقي، وكنت أنظرُ بغيرةٍ لشقيقاتي اللواتي لا زلن يحتفظن بجاذبيتهن كإناث، وأنا شعري بالكاد يغطي لمعان رأسي، وشكل الملابس على جسدي مُخزٍ"، الشعور بالنقص الذي جربته فاتن هو ذاته الذي جربته كل النساء المصابات بسرطان الثدي، واللواتي أجبنَّ عن استطلاع رأي حول حياتهن الخاصة بعد الاستئصال.
احساس النساء بأنوثتهن تراجع إلى درجة كبيرة، إذ أقرت 94% من النساء المصابات المستطلعة آرائهن أنهن شعرن بافتقارهن للأنوثة بعد استئصال الجزء المصاب من صدورهن، فيما أكدت 12% من النساء أنهن طلبن من أزواجهن الزواج من أخرى بعد اكتشافهن المرض مباشرة.
80% من المصابات المستطلعة آرائهن لم يتقبل أزواجهن شكلهن بعد استئصال الثدي، و90% منهن أقررن أن علاقتهن الحميمية مع أزواجهن تغيرت للأسوأ بعد الإصابة، فيما اكتشفت 60% من النساء أن أزواجهن بحثوا عن امرأة ثانية أثناء فترة علاجهن.
20% من النساء اللواتي بحث أزواجهن عن ثانية صرنَّ "ضراير"، فيما أن 40% منهن اكتشفن علاقات غرامية لأزواجهن خارج إطار الزواج أغلبها كانت عبرَ مواقع التواصل الاجتماعي.
 
صِرنَ طبيعيات
مديرة جمعية " برنامج العون والأمل لرعاية مرضى سرطان الثدي" إيمان شنن، والتي تغلبت على المرض بعد أعوام من اكتشافه، تقول لـ"إخباريات" أن جمعيتها ابتكرت مشروع انتاج الأثداء الصناعية من القطن والقماش لمساعدة المصابات في التغلب على مشكلة الشكل الخارجي، واعطائهن فرصةً لجني المال.
وتؤكد :" تتعرض النساء المصابات بسرطان الثدي لانتكاسة نفسية شديدة بعد تغير شكل أجسادهن، ونفور أزواجهن الواضح أو الخفي، وبعض المنتسبات للجمعية طُلقن وعنفن بسبب شكلهن الخارجي، ناهيك عن شعورهن بالنقص في محيط النساء السليمات".
استحسنت المصابات اللواتي اُستؤصلت أثدائهن الفكرة وأقبلن عليها، وفي أول نشاط ترفيهي لهن بعدَ ارتدائهن للأثداء الصناعية رقصنَّ بصدورهن، حتى أن طريقة جلوسهن تغيرت، وفق شنن التي أكدت أن الأثر النفسي للأثداء القطنية بدا واضحاً على النساء من اللحظة الأولى، وهو وفق تفسيرها يؤكد عمق أذاهُنَّ النفسي جراء المرض.
"شكل الجرح الذي تخلفه عمليات استئصال الثدي أو الجزء المصاب منه غير مقبولة"، تقول شنن، مضيفة :" يتغير شكل المرأة للأسوأ بعد عملية الاستئصال، وللأسف في غزة يلجأ الأطباء إلى الإمعان في إزالة الجزء المصاب، وما بعده، خوفاً من انتشار المرض، فيما تفتقر مستشفياتنا إلى عمليات تجميلية لزراعة الأثداء، ناهيك عن تكلفة الصناعية منها مبالغَ باهظة تصل إلى 300 دولار تقريبا، الأمر الذي يزيد من احباط النساء ويُفقدهن ثقتهن بأجسادهن".
وتلفت إلى تعرض عدد من النساء المنتسبات للجمعية للتعنيف من أزواجهن لفظياً على الأقل بعد تغير شكلهن العام، ومنهن من طلقن أو هجرن، غير أنهن بررن ذلك النفور واعتبرن أنفسهن أقل من غيرهن، حتى أن بعضهن طلبن من أزواجهن الزواج من أخرى.
لم يكن من السهل على شنن التي خاضت تجربة المرض أن تقنع النساء المصابات بأنهن لسن بحاجة للرجل إن هُجرن، وأن تغير شكلهن العام لا يعيبهن البتة، والقصور يطال الرجل الذي يطلب من زوجته أن تكون مخلصة إن أصيبَ هو بالعجز في حين يهرب إن لم يعد شكلها يناسبه.
 
استئصال دونَ تجميل
في استطلاع رأي وزعته "اخباريات" على عينةٍ من الرجال المتزوجين حول تقبلهم لشكل المرأة المصابة بسرطان الثدي، قال 60% منهم أنهم على استعداد لتقبل شكل المرأة المصابة بالسرطان، بلا أثداء، في حين أعلن 40% عن عدم تقبلهم لها.

 

وأكدَ 38% من الرجال أنهم سيبحثون عن امرأة أخرى تعوضهم النقص الذي خلفه المرض في أجساد زوجاتهم إن أصبن، فيما أعرب 63% منهم عن تمسكهم بزوجاتهم واكتفائهم بها، وأشار 75% من الرجال إلى أنهم سيساندون زوجاتهم في حال اصبن، فيما أكد 13% من المستطلعة آرائهم أنهم سيتزوجون على نسائهم، وقال 12% أنهم سيهجرونهن.
رئيس قسم الأورام في مستشفى الشفاء الحكومي الدكتور خالد ثابت يشير إلى أن عددا من التحديات تواجه مريضات سرطان الثدي في غزة، أولها عدم وجود جراحات تجميلية، فالإمكانات المتواضعة المتوافرة في مستشفيات القطاع تدفع الجراح إلى استئصال الورم من جسد المرأة دونَ العمل على ترميم وتجميل الجزء المستأصل.
ويُعرف المرض بأنه " أحد أشكال الأورام الخبيثة، وينتج عن نمو غير طبيعي لخلايا الثدي، ويبدأ في البطانة الداخلية لقنوات الحليب على الأغلب، ويتميز بقدرته على الانتشار للجزء العلوي من الجسم، ويشكل خطراً أكبر في تلك الحالات".
ويتابع د.ثابت:" في غزة جراحون جيدون يستأصلون الأورام للمرضى الذين يُحولون بعدَ ذلك للعلاج كيمياويا أو اشعاعيا في مشافي الضفة الغربية أو الاحتلال، أو مصر والأردن، خاصة وأن عدم توفر هذان النوعين من العلاج المتقدم تجعل القطاع يُصدر حالات الاصابة جميعها للعلاج في خارج".
ويؤكد أن سرطان الثدي ثاني أكثر أنواع السرطان انتشارا على مستوى العالم، وأن فلسطين أدنى من جاراتها العربيات في نسبة الاصابة به، غير أن أثره النفسي على النساء في غزة كبير بسبب غياب الجراحات التجميلية، وضعف القدرات العلاجية.
ويشير إلى ضرورة تكامل البرامج العلاجية للنساء ما بين الطبي والنفسي، لأن الثدي عضو جمالي أساسي عند المرأة، وفقدانه يجعلها تفتقر للثقة وربما تفقد علاقتها بزوجها رونقها، وبالتالي تلزمها الكثير من الجلسات العلاجية للتغلب على الأمر.
تتحمل مريضة سرطان الثدي في غزة العبء مضاعفا، فالألم الذي يعصف بجسدها يُشعل أواره التغير السلبي في علاقتها بزوجها على الأغلب، ويزيد من تأثيره شعورها بالنقص كأنثى في مقابل النساء الكاملات بأجسادهن "العفية"، وفي الوقت الذي تحتاج فيه المرأة المصابة بمرضٍ قاتل كالسرطان إلى التفهم، تجدها في مجتمع يعتمد على النساء، مُجبرةً على تحمل تبعات المرض جميعها وحيدةً إلا من الشفقة، فهي امرأة بشريط وردي ولكنها "رجل".
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد