اخباريات - رومل السويطي: يلفت نظر غالبية من يدخل ميدان الشهداء "الدوار" في قلب مدينة نابلس، متمركزا على مقعده المتحرك، ورغم حاجته التي لا تخفى على أحد للمساعدة، إلا أن جلسته تظهر عزّة نفسه وافتخاره بأنه لا يشكل عالة على المجتمع ، يبيع العلكة وبعض أنواع الشوكولاتة، يستقبل زبائنه خاصة صغار السن بابتسامة يظهر صدقها، من قسمات وجهه المتعب، وعينيه المرهقتين.
ناصر مصطفى عدوان "أبو أسامة" (48 سنة) من مواليد وسكان قرية زواتا غربي نابلس، أصيب بشلل الأطفال وهو في عمر ثلاث سنوات، حاول والده ألا يحرمه من الدراسة، فألحقه بمدارس القرية حتى الصف السادس الابتدائي، وحتى يتمكن من مواصلة الدراسة، كان عليه الالتحاق بمدرسة إعدادية في نابلس، وبسبب ظروفه الصحية إلى جانب وضع والده المادي الصعب في ذلك الوقت لم يتمكن من ذلك، وبقي الطفل في البيت، حتى بلغ من العمر ثلاث عشرة سنة.
بعد تجاوزه الـ 13 عاما وجد أنه لا مجال للبقاء في البيت، فقرر الخروج للعمل، فحمل حقيبة متواضعة، ووضع في داخلها بعض الحاجيات البسيطة التي تستخدمها النساء، وبمساعدة بسيطة من بعض أبناء قريته توجه في أول يوم عمل له إلى مدينة نابلس وتمركز وسط المدينة وبدأ مشوار العمل، ليعود في نهاية اليوم ببعض المال، ويقول: رغم قلة هذا المال الذي يربحه من البيع إلا أنه يشعر بالرضا.
ويستمر عدوان على هذا النحو، لأكثر من ست سنوات، كافح وصبر وصابر خلالها، واستوعب الكثير من المواقف الصعبة والمحرجة بسبب اعاقته، وتمكن من فرض شخصيته على أقرانه من أبناء جيله، واستطاع تحسين وضعه المالي ولو بشكل طفيف.
وفي عمر العشرين تقريبا التحق بالجمعية العربية للتأهيل حيث تلقى على مدار سنة كاملة دورة تتعلق بصناعة الجلود، لكن بسبب ندرة هذا التخصص لم يتمكن من إيجاد وظيفة مناسبة، فعاد إلى "الحقيبة" لكن بشكل أوسع، فتمركز في منطقة خان التجار، وبدأ ببيع بعض أنواع الاكسسوارات النسائية، وبعض ملابس الأطفال، وفي عام 1991 تزوج ورزقه الله بخمسة أولاد وثلاث بنات (أكبرهم يبلغ من العمر 19 سنة وأصغرهم 3 سنوات) يعيشون في بيت مكون من غرفتين متواضعتين.
قام برعاية أطفاله بشكل طبيعي رغم ظروفه المالية والصحية الصعبة. وفي عام 2013 تعرض عدوان لهزة عنيفة في حياته، بعد وفاة زوجته، ما زاد الأعباء عليه، لكنه قرر مواجهة ذلك بكل قوة وصلابة بعد الاستعانة بالله، ونجح في ذلك إلى حد يعجز عنه بعض الأصحاء وقليلي الهمة.
لم يحاول عدوان سؤال الناس، لكنه توجه لبلدية نابلس قبل بضع سنوات لمساعدته على توفير "كشك" على الدوار يعتاش منه، لكن البلدية لم تستجب لطلبه حتى الآن، ويقول: أشكر "الجهات ذات الاختصاص" على سماحها لي بالبيع على بسطتي التي أضعها على رجلي المعاقتين، لكنه يطمح ويأمل منها أن تساعده في العمل داخل "كشك"، خاصة أنه يحرم من البيع في معظم أيام موسم الصيف الحار، وموسم الشتاء.
وخلال حديث "حياة وسوق" مع عدوان، تدخل احد أصحاب المحلات التجارية القريبة من بسطته وقال: "يا ريت حد من أهل الخير يوفر لأبو أسامة كرسي كهربائي جيد مع غطاء يحميه في الصيف والشتاء". لكن عدوان رد عليه: "ما بدي أغلب حد .. الله يعين الناس .. كل واحد فيه اللي بكفيه".
سألناه: "ماذا تقول للعاطلين عن العمل؟". قال: "العمل لا يأتي لأحد .. يجب على الإنسان أن يبحث عن العمل ويذهب إليه بنفسه".
وختم عدوان حديثه بالقول: "كثير من شباب اليوم قليلو حيلة، ويريدون أن يصعدوا السلم مرة واحدة، وبعضهم يريد أن تصل اللقمة إلى فمه دون أن يتعب نفسه".