فسحة للرأي

القوة وكيمياء السياسة

عدلي صادق |
القوة وكيمياء السياسة
كتب - عدلي صادق:  واضح أن اطمئنان إسرائيل، لعدم وجود أي تهديد عربي، هو الذي جعلها تركز على المشروع النووي الإيراني، وأن تعتمد في الصيرورة الجديدة للجيش، أسبقية تطوير قدراتها العسكرية الجوية والصاروخية والاستخبارية، على حساب القوات البرية. وقد ساعدت علاقات حكومة نتنياهو مع الكونغرس الأميركي، على انجاز خطوة استباقية تلزم الرئيس أوباما بمراجعة الكونغرس وأخد موافقته، في حال التوصل الى اتفاق بين مجموعة خمسة زائد واحد وإيران، وازداد موقف أوباما بؤساً مع القاء نتنياهو "خطاب حياته" أمام الكونغرس الأميركي!
لم تجد الإدارة الأميركية أمامها سوى الشرح المسبق، واعطاء إشارات بأن اي اتفاق مع إيران، سوف يسد أمامها كل سبيل لحيازة المواد الانشطارية. لكن موضوع النووي الإيراني، بات مادة المزاودة بين أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف، وفي هذا السياق، صرح أفيغدور ليبرمان أن لا اتفاق مع إيران، من شأنه منعها من الحصول على الأسلحة النووية، و"لذلك علينا أن نتولى زمام الأمور". 
يجري ذلك كله، في غياب أية بادرة عربية لهز العصا لإسرائيل في أقبح مراحل عربدتها. فالأميركيون حيال هذه العربدة انقسموا بين عاجزين ومشجعين لسياسة اليمين الإسرائيلي. الأولون يقولون حسب ما صرح أحد مسؤولي الإدارة:"إن التحدي أمام من ينتقدون الاتفاق مع إيران، ومن بينهم رئيس الوزراء نتنياهو، هو الإجابة عن سؤال: كيف يمكن للأساليب الأخرى أن تجدي نفعا أكبر؟"!
معلوم إن الإيرانيين لا يستهدفون إسرائيل فعلاً، لكن هذه الأخيرة، تريد وقف أي نمو أو بناء للقوة في المنطقة، لأنها تتبرم من الأوزان الزائدة للدول، وتفعل كل شيء واضح ومستتر، لجعل خفة الأوزان واقعاً بالنسبة لكل الأطراف في الإقليم. وهذا هو الدرس الذي ينبغي أن يحفظه ويتأمله الآخرون في العالم العربي، وأن يعيدوا النظر في سياساتهم التي أهملت نصر القوة وإن كانت ركزت على التسليح والإنفاق عليه. ففي الموازنة الإسرائيلية للعام 2015 بلغت مخصصات الجيش 17.5 مليار دولار، تصل الى نحو 20% من الموازنة العامة. لكن موازنات الجيوش العربية بلغت ما يزيد قليلاً عن 158 مليار دولار. واللافت أن نسبة كبيرة من موازنة الجيش الإسرائيلي تذهب لأجهزة المخابرات التي تثير الفتن وتجمع المعلومات وتثابر على العلاقات السرية في الإقليم وعلى اختراق الشرائح المتنفذة. ولنتخيل أن ثمة جاهزية عربية لزجر إسرائيل ولو بالكلام، أي بجعجعة دون طحن، مع أنساق حضور للقوة العربية، سيكون لها مفعول السحر في تهدئة المجتمعات العربية. عندئذٍ ستكون إسرائيل عاجزة عن رفع حصة الجيش الى ما هو أعلى من 20% من الموازنة العامة. وعندما نفتش عن كيمياء السياسة، سنرى ما لا يراه سوى فاقدي البصر، وهو أن هذه السياسة تنبثق عن واقع القوة وصلابة الأنظمة السياسية وقبول المجتمعات بها. فإسرائيل التي تشترط لكي تمنح واشنطن نفسها السكينة والود، أن تشطب كل ممكنات القوة في الأقطار البعيدة عن حدودها. أما الإيرانيون، فإن اتفقنا أو اختلفنا مع سياساتهم؛ فإنهم يطرحون أنفسهم رقماً صعباً، وهذا بحد ذاته يشكك إسرائيل في جدوى يدها الطويلة، ويجعل إيران تزهو بدورها وتمضي فيما نختلف عليه معها!
adlishaban@hotmail.com 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد