تقرير- آية عماد: ما أن تقترب من أسواق نابلس وتستمع لأصوات الباعة في كل مكان، تتعالى بنداءٍ واحد (عكوب للبيع) ..أهم ما يلفت الإنتباه نجمة آذار بشكلها الاسطواني المغطى بأشواكٍ مكومة تُزهر في موسمها الربيعي بين أحضان جبال الخليل ونابلس والأغوار الفلسطينية.
يقول البائع جمال المدني " أحصل على نبات العكوب من مدينة الخليل الذي يتواجد على جباله بكثرة بالرغم من عدم رغبة سكانه الشديدة به، مع ذلك اعتبرت أكلة العكوب مشهورة قديماً بتراثها الفلسطيني بين سكان مدينة نابلس" .
ويتابع جمال حديثه قائلاً: " بالنسبة لكيلو العكوب بشوكه المتدلي أبيعه بسعر يتراوح بين( 9-11شيقل) ، بينما 90%من (البيض) والمعكب بسعر (35-45) شيقل، لكن المستهلك لا يستطيع شرائه"، مضيفا بأن الكثير من النساء الفلسطينيات العاملات بجانب أزواجهن العاطلين عن العمل، يحاولون في كل عام من موسم آذار، أن يبيعونه ليجنوا أموالاً خلال جلساتهم الطويلة في تعكيب العكوب على بِساط منزلهم.
ويتحدث بائع آخر "شكري المصري" قائلا "يدخل السوق حوالي 15طناً من العكوب في اليوم الواحد، ويوزع على البائعين لبيعه في بداية موسمه، ومع تدهور الوضع الاقتصادي السائد في البلد إلا أن حركة الناس بشكل طبيعي، فأكسب يوميا حوالي 200 شيقل".
نبات العكوب.. عرس جماعي
المواطن عماد الدين من مدينة نابلس يقول " نشتري العكوب الذي يحبه كل أفراد العائلة، منظف جاهز، وأخزن سبعة كيلو من العكوب قبل نهاية موسمه".
أما خالد فيقول أن العكوب إقتصادٌ بحد ذاته، فأخذه غير معكب لعدم توفر السيولة لشرائه، في حين تلقى زوجتي صعوبة في تنظيفه وذلك لتفريزه بعناية في بداية نزوله إلى الأسواق.
وتعد حنان العكوب أكلتها المفضلة فتفرزها بالتطجين أو القلي الخفيف بالزيت، ويتم إعداد طبق العكوب حسب طبيعة بيئة كل منطقة سواء أكان مع البيض، أو (إيدامو)، أو مع أرز مفلفل، أو مع لبن ذلك الذي يفضله الكثير من أهالي نابلس.
وتتحدث الحاجة سعاد من مدينة قلقيلية، أشتري العكوب من مدينة نابلس الذي يصل سعر الكيلو إلى 35 شيقل: "العكوب" أكلة ملوكية .. بإيدي الفقراء ٬ وعن طريقة تخزين العكوب ٬ فتقول: "بعد أن يتم تنظيفه نقوم بغسله بالماء الساخن وتمليحه٬ ومن ثم نقوم بقليه ونضعه بالمصفاة٬ ثم نقسمه إلى طبخات متعددة ونجمدها في البراد" .
أما عن طريقة طبخه: تضيف أن الغالبية تفضل أكله مطبوخاً مع شوربة اللبن ولحم الخاروف، الذي يوضع العكوب في شوربة اللحمة وبعد أن ينضج نضع اللبن عليه ثم نطبخه، يذكر أن نبات العكوب موسمي ينمو في الجبال٬ خاصة في مناطق جنوب الضفة٬ في أواخر فصل الشتاء٬ وبدايات فصل الربيع.
وبالنسبة إلى ريم ربة منزل من الأردن تقول" في كل عامٍ من شهر آذار أزور عائلتي في الضفة الغربية، فيجتمع الجارات مع بعضهن كعرس جماعي بجلساتهن الطويلة في تعكيب العكوب وتفريزه، فأخذ كمية منها".
العكوب مصدر رزق الفقراء
أم أحمد في الخمسينيات من عمرها وملامحُ المشقة ترتسم بتجاعيد وجهها، وتقول " أنتظر موسم العكوب بفارغ الصبر لأقطفه، وأبيعه بسعرٍ زهيد لأصحاب المحلات لِأحُصل قسط أبنتي في الجامعة".
غير أن الحاجة أم محمد في الثمينيات من عمرها تعاني من قسوة الحياة وشظفها، فتقول " أعتبر نبات العكوب مصدر رزقي الوحيد، فأنتظر بفارغ الصبر موسمه لأقطفه من جبال نابلس، فأعتدت على قطفه رغم مرارة تنظيفه، موضحةً أبيعه وأحصد ثمنه لأعيل به أسرتي الفقيرة " .
جسر يغرز شوكة
عندما سألت فدوى طوقان والدتها عن تاريخ ميلادها فكانت إجابتها:" يوم كنت أطهو العكوب".
وتسرد سحر أبو صبح قضاء نابلس، قصة وادي كانا مع العكوب الذي بات يتقلص تدريجياً بسياسة المنع الذي فرضته سلطات الإحتلال على العديد من الأسر لقطفه، والمعتبر مصدر رزقهم الوحيد.
ويقول البائع جمال المدني " بعض الفلاحين لا يقطفون العكوب من جبال نابلس، خوفاً من إنقراضه باعتباره نباتٌ بري مهم، وقلته يشل حركة السوق النابلسي في موسمه".
ويذكر رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في نابلس المهندس إياد عنبتاوي أن الأسعار مرتفعة جداً وخصوصاً في بداية موسمه، والذي يشكل كاهل ثقيل على المستهلك الفلسطيني وعبء مالي يستغل به عن طريق البائعين .
العكوب دواء لكل بيت
يقول الباحثون أن العكوب غني بالأملاح المعدنية وخاصة البوتاس، الذي يساعد على تقوية الأعصاب وتنقية الدم وتقويته. و أيضاً يحتوي على نسبة عالية من فيتامين "أ" المفيد للوقاية من مرض العمى الليلي، ومدر البول ومقوي للقلب وغني جداً بالألياف الهامة للجسم .
فبعض المناطق الفلسطينية لا يعرفون نبات العكوب الذي تشتهر به مدينة نابلس وأهلها، بأقوالهم التراثية المشهورة والأغاني الفلسطينية القديمة ومنها ، " شو يبسك يا شوكة العكوب .." .
