فسحة للرأي

محطات فيسبوكية غزاوية

فداء محمد عبد الجواد |
محطات فيسبوكية غزاوية

 كتبت - فداء محمد عبد الجواد:  يبدو أن العالم الافتراضي أغرق الشعوب بمتاهات عميقة، حولتهم لآلة الكترونية، العقل يتحدث واليد تكتب، حتى المشاعر أصبحت فيه الكترونية، والزواج الكترونياً، أما الحرب فحدث ولا حرج، فقد أصبحت هي الأخرى الكترونية، فالربيع العربي قام بثورة فيسبوكية، ..الخ..

فأصبح العالم الافتراضي حياة لمن ليس له حياة، فقطاع غزة الحبيب مأساته متكررة ولا تنتهي، وتبقي كما هي منذ ثماني سنوات إلى الآن، ومع ذلك استطاعت صفحة زرقاء اللون أن تتعمق في قلوب الناس، وتستوطن حياتهم، وتعكسها من واقع إلى افتراض!..
وبالاقتصار في هذا المقال عن أهل غزة يجعل الكلمات تفيض أكثر وأكثر، فالقطاع له عجائب وعجائب، ويختلف عن كل العالم، فبيده الحرب وبيده السلام، بيده الحصار وبيده الانفتاح، فيه الجريمة وفيه الحب، وبالمشاكل غارق.. ولكن مازال ينبض بالأمل والحياة..!
وسنتطرق في هذا المقال لثلاث محطات فيسبوكية حركت الشغف الغزاوي بشكل ملحوظ جداً، وهي:
*غزة والجريمة..!
غزة كأي مدينة موجودة في كل مدن العالم، فيها الصالح وفيها الطالح، فيها الصح وفيها الخطأ، فيها الفضيلة وفيها الرذيلة، ومع ذلك لا يصح أن نعتبر غزة بؤرة للجريمة، لحالات معدودة هنا وهناك..!
فالجريمة الحاصلة في غزة ما هي إلا جريمة فردية وحالة عشوائية، تكون تحت تأثير العصبية الزائدة أو بشكل عشوائي أو فجائي، أو يرجع لهدف سرقة وما شابه، وكلها حالات فردية شاذة خارجة عن إطار المنظومة الحياتية، ولا تذكر في عالم الجريمة، فقد مرّت غزة بمرحلة صعبة للغاية، وأصبحت السرقة والقتل هاجساً لدي قليلي الدين والإيمان، ما جعلهم يؤثرون على المجتمع بسلبية..
ويبقي دور الفيس بوك هنا أكبر من اللازم، فهو مروج للشائعات، ومروج للحوادث بشكل مبالغ فيه، ويعطيك إحساساً بأن غزة أصبحت بؤرة الجريمة العالمية، فلو خفّ وهج الفيس بوك في الترويج المستمر، وكأنه السلطة الرابعة والمحرك للقضية، لما كنا في خبر كان..!
نحن لسنا بصدد ذكر جرائم حصلت، ولا بصدد مناقشتها بقدر اهتمامنا بفكرة الجريمة نفسها، وما هي الأسباب التي أدت للجريمة، فالجريمة ما هي إلا خروج عن النفس البشرية الطبيعية ليختل التوازن لدي الإنسان ويقوم بفعلته دون وعي منه، ولكن هناك من يعي قيامه بالجريمة نفسها، لأنها مخططة ومدبرة مسبقاً.. وهنا مكمن الخطر..!
أما حول الأسباب القائمة على وقوع الجريمة، فهناك من يروج على أنها ضغوطات نفسية واجتماعية، وضغوطات اقتصادية وسياسية، وكلها أسباب حقيقية ولا اختلاف عليها، ولكن نادراً ما قرأت أن السبب في الجريمة الحاصلة هو البعد عن الوازع الديني، فلو لم يبتعد الإنسان عند دينه وقرآنه لما اختفى الدين والإيمان بما قسمه الله لنا في الحياة، فنحن في ابتلاء دائم، ولكن من يصبر على هذا الابتلاء..؟
*غزة وكرة القدم..!
كما الجريمة حازت على المركز الأول في متابعات سكان غزة، أيضاً حازت متابعة كرة القدم على نفس الدرجة، بالتوازي ما بين مباريات كرة القدم، ومباريات القتل الحاصلة..
فلكل مباراة مشاهدون، وكل مشاهد له قدرته على ترويج الفكرة عبر الفيس بوك..
وحاز الفيس بوك الغزاوي على أكبر متابعات كروية لهذا العام، ولم يسبق لي أن شاهدته بهذا الزخم لا عبر الفيس بوك أو حتى على أرض الواقع، فيا ترى ما هو السبب الحقيقي خلف هذه المتابعة..؟!
هل كان فريق ريال مدريد وفريق برشلونة أقوى الفرق لهذا العام، ويستحقان المشاهدة بجدارة..؟!
يبدو ذلك من خلال مشاهداتي وانطباعاتي التي ارتسمت في عقلي من خلال رؤيتي اليومية للفيس بوك وما يعج به من أخبار البرشا والريال..
ولذلك تساءلت عبر صفحتي عن السبب خلف المتابعة والاهتمام العالي، وهل سأجد إجابات مقنعة..؟!
 بالفعل تجاوب كثير من مشاهدي كرة القدم معي وأجابوا عن تساؤلي.. فكان من أبرز التعليقات، أن كرة القدم لعبة شعبية جماهيرية بسيطة تجمع بين الرياضة واللياقة والمتعة والإثارة سواء ممارسة أو متابعة..
وغالبية تعليقات متابعي الكرة أنها متعة، وغير ذلك فلعلها الشيء الوحيد الذي شغل أوقاتهم بعيداً عن السياسة والمشاكل الدارجة، كما واعتبرها أحدهم أنها إشغال للشعوب..
لو كانت كرة القدم إشغالاً للشعوب حقيقة، فما هي اتجاهاته لو لم ينشغل فيها..؟!
*غزة وشركة جوال..!
على الرغم من معاناة الأولى ومتعة الثانية، والتركيز على نفس المتابعة، إلا أنه في الآونة الأخيرة أخذت حملة ضد شركة جوال مسارها الصحيح من خلال الفيس بوك، وحازت على المعاناة والمتعة معاً، ومتابعة قوية، ولكنها متابعة استفزازية أو ساخرة نوعاً ما، ومنها ما كانت متابعة جدية، وذلك لأن الحملة بدأت بقوة.. ثم تراجعت بقوة أكبر، والسبب ماذا..؟؟
بالطبع لا أحد يعلم السبب، واتجه البعض باتهام الحملة بالرشوة واختلاق الأكاذيب والافتراء على القائمين عليها، حيث إنهم لم يردوا على الموضوع وتركوه..!
وجاءت فكرة الحملة بعد فشل حملات سابقة كانت فعلاً أساسها الرشوة أو ما يسمى بالهدايا من شركة جوال، فهناك من لا يهمه مصلحة المواطن، ولا يحركهم وازع ديني ولا وطني، فبعض الناس تألف الرشوة وتسعى إليها..
وعندما بادر مجموعة من الشباب الثقة بالحملة، حصل معهم منذ البداية ما حصل في كل الحملات السابقة، فقد حاولت شركة جوال استدراجهم برشاوي وهدايا ومن هذا القبيل، ولكن رفضوا العروض واستمروا بالمناداة بخروج اعتصام قوي، ولكن للأسف، ما حصل معهم معتاد عليه في كل مسيرة وفي كل اعتصام، وفي كل رغبة لمناداة الحق، حيث اتصل عليهم الأمن الداخلي ومنع خروج المسيرة، بالرغم من أن لديهم تصريحاً مسبقاً من الداخلية بالخروج، على حسب علمي، وتم منعهم من الخروج، فقرروا الخروج على مسؤوليتهم.. فجوبهوا بالمنع وتعطيل المسيرة..
ولهذا السبب لم يخرج القائمون على الحملة في مسيرة أو اعتصام كما كان مخططاً له، فالمسؤولون رفضوا خروجهم لإعلاء صوت الشعب، وكل هذا ما خلفه، جوالات فخمة، وفواتير مفتوحة بلا دفع.. الخ..
وأبوا أن يتم انهاء الحملة بهذا الشكل، فتقرر أن تتم حملة# سأغلق_جوالي عبر الفيس بوك، والمحرك الأول للمواطنين، فكانت حملة ضعيفة بسبب استهتار الشعب وعدم تفهمه وسخريته من الواقع المرير الذي نعيشه، فهو متعايش مع الانترنت والأحاديث الفارغة بلا وعي..!
أي نعم شركة جوال، شركة احتكار ونصب واحتيال، ولكن برغبتنا نحن أصبحت هكذا، وزادت في جبروتها بسببنا نحن، فنحن من أعطاها القدرة على التمكن والسيطرة، ونحن من فرش لها بساطها الأحمر على طول الطريق من أقصى الجنوب لأقصى الشمال، وقمنا أيضاً بتنظيفه لهم، ولم نسمح للغبار أن يلمسه، فكيف لنا أن نطالب الآن بحقوق، ونحن من فرطنا بحقنا.. وأعطاها القوة والجرأة والحق في سلبنا، والافتئات على حقوقنا..؟!
البعض ينتظر شركة الوطنية لتدخل القطاع، وتنافس الأولى، متجاهلين أنها محتكرة أكثر، وستكون في البداية كبداية جوال، ثم تبدأ بالنهب على أصوله وفنونه، ونعيد الكرة مرة أخرى.. لنطالب بحقوقنا، متناسين أننا نحن من أعطيناهم ونعطيهم الفرصة..!
برأيي:: إما أن نقبل بالوضع الراهن كما كل السنوات التي مضت، أو أن نحزم أمرنا بجد ولو مرة في العمر؛ ولتكن حملة أكبر بكثير من حركة صغيرة خجولة مترددة..!
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد