تقارير وتحقيقات

نساء يغرقن ويكفنّ باللون الزهري..!

|
نساء يغرقن ويكفنّ باللون الزهري..! صورة تعبيرية من الارشيف

 اخباريات/ غزة- سمر الدريملي:  ألقى بمشرطه الملوث بالدم وقطع الشاش والقطن جانباً.. وخلع قفازاته، مستلاً معهما -وإلى الأبد- أيّ أملٍ بالإنجاب أو فرصةٍ لأن تحتضن ابناً أو ابنةً تسمع منهما كلمة "ماما".. فقد استأصل رحمها..! 

"ع . غ" فتاةٌ من مدينة "نابلس" شمال الضفة الغربية، وهي من ذوات الإعاقة حركياً وعقلياً، تبلغ من العمر (18) عاماً، خاضت بنجاحٍ عملية استئصالٍ لرحمها رغما عن إرادتها؛ بل؛ لعلّه دون درايةٍ أو وعيٍ منها بما سُلب من جسدها.. وبينما كانت تنزف دماً في غرفة العمليات؛ كانت أمها تنزف دموعاً في ممرات وأروقة المشفى.. وتتمتم بكلمات: "يارب سامحني.. يا بنتي سامحيني.. مش بإيدي.. بسّ مجتمعنا ما برحم..".
فهل تشعرون بنوعٍ من الراحة النفسية والأمان على ابنتكم بعد اليوم..؟! تجيب الأم: "صراحةً؛ الآن أحسن من قبل، على الأقل هيك إحنا تأكّدنا أنها لا يمكن تيجي بيوم من الأيام حامل".
وكان الدكتور "ف .ع" من مستشفى رفيديا الحكومي بنابلس قد  صرّح أنّ عدد الحالات التي يتم إجراء عملية استئصال الرحم لها في نابلس 3-4 حالات سنوياً، و لم يُعطِ تقديراً لما يتمُّ في باقي المحافظات .
"ع . غ" ليست "المعاقة" الوحيدة في الضفة الغربية التي يُسرق الرحم من جسدها دون حولٍ منها ولا قوّة، بل هناك مثلها الكثيرات، ومنها ما يُكشف ومنها ما يبقى طيّ الكتمان؛ وهو ما دفع العديد من الجهات النسوية والحقوقية والإعلامية لدقّ ناقوس الخطر ومناقشة الموضوع في العلن للقضاء عليه من جذوره.
أما في قطاع غزة؛ فالموضوع لا يزال يترعرع من الجذور دون أن يحرك ساكناً، ودون حراكٍ رسميٍ أو أهليٍ يعيق نموّه؛ فحالات استئصال الرحم القليلة التي علمنا بها؛ بُلّغنا بها من قِبل بعض أقارب هؤلاء الفتيات، وقد توجّهنا للكثير من الجهات المختصة بمجال ذوي الإعاقة؛ لكن أحداً منهم لم يستطع إعطاءنا إحصائيةً بعدد الفتيات ذوات الإعاقة اللواتي تمّ استئصال أرحامهنّ.
تقول فاطمة الغصين، مديرة برنامج الاتصال والمناصرة في المركز الوطني للتأهيل المجتمعي: "من الصعب تسجيل هذه الحالات بسبب ثقافة المجتمع المنغلق في قطاع غزة، فنحن –بالكاد- نستطيع أن نوثّق أشكال العنف الأخرى كالضرب مثلاً، فهذه الفئة بالذات من الصعب أن تتحدث عما تتعرّض له من انتهاكات، كما أنّ ذويهم يُخفون عنّا وعن المجتمع الكثير من الحقائق عن أبنائهم وبناتهم ذوات الإعاقة..".
وتعتبر الغصين أنّ: "الأسرة هي الحلقة الأولى لتعرّض الفتاة من ذوات الإعاقة للاضطهاد والعنف؛ جرّاء عدم تقبّل العائلة لإعاقتها، ورفض دمجها منذ الصغر في رياض الأطفال؛ بل وحرمانها من تلقي الخدمات الصحية والطبيّة؛ لإخفاء وجود حالة إعاقةٍ لدى العائلة، ناهيك عن حبسها، وعدم إشراكها في الزيارات والمناسبات العائلية، وممارسة مختلف أنواع العنف اللفظي والجسدي والنفسي ضدهن".
يذكر أن (85)% من ذوات الإعاقة في قطاع غزة أكدن أنهن يتعرضن للعنف، و(65.3)% من ذوات الإعاقة يتعرضن للعنف الجسدي، و(92.3)% منهن يتعرضن للعنف النفسي، و(13.3)% يتعرضن للعنف الجنسي، فيما يتعرض (85.3)% منهن للعنف الاقتصادي؛ وذلك حسب بحث أجراه المركز الوطني للتأهيل المجتمعي عام 2012.
 
إخفاء نتائج الاعتداء الجنسي
زينب الغنيمي، الباحثة القانونية ومديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة تقول إنه "لا يوجد نصٌ في القانون يمنع جريمة إزالة الرحم كنوعٍ من العنف الممارس ضد الفتيات ذوات الإعاقة، لكنّ القانون يعتبرها من جرائم الاعتداء على النفس وتشويه الجسد، فيما لو ثبت أنّ الفعل تمّ بقصد الاعتداء على الجسد، حيث يعتبرُ القانون تشويه شخص أو تعطيله أو إيقاع الأذى به جريمةً يُعاقب عليها لمدة (14) عاماً".
وتوضح الغنيمي أنّ قوانين العقوبات المطبّقة هي قوانين قديمة،  ففي قطاع غزة قانون رقم 74 لسنة 1936، أما في الضفة الغربية فقانون رقم 16 لسنة1960، وبالتالي؛ لا تشمل بدقةٍ ما يتعلّق بهذه الجريمة.
وتضيف حول الأسباب التي تؤدي لتعرّض ذوات الإعاقة لهذا النوع من العنف أنّ: "العائلة تلجأ لاستئصال رحم بناتهنّ ذوات الإعاقة ليس حمايةً لهنّ من  الاعتداء الجنسي؛ لكن لمنع نتائج الاعتداء الجنسي، لأنّ حماية الفتاة من الاعتداء عليها يكون بالمراقبة وتوفير الرعاية لها، وكيف يمكن أن يحموها من اعتداءٍ يمكن أن يسبّب لها أذىً جنسياً وجسدياً ونفسياً، لكن؛ للأسف؛ الأهل الذين يقومون بارتكاب مثل هذا النوع من العنف لا تعنيهم حماية الفتاة من الاعتداء الجنسي؛ بل ما يعنيهم هو ألا يُكتشف وقوع الاعتداء".
وحول دور المؤسسات في حماية ذوات الإعاقة تتابع "الغنيمي": "المعضلة هي من الذي له الحق برفع الدعوى، نحن كمؤسسةٍ قانونيةٍ ومعنيةٍ بالحماية من العنف؛ فيما لو عرفنا بحالاتٍ تتعلّق بهذا النوع من الاعتداء؛ لا نستطيع أن نقدّم دعوى؛ لأن هذه دعاوى خاصة وليست عامة، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أن يقدّمها بالنيابة عن الضحية، خاصةً أنّ الجرائم العائلية –أحياناً- يُراعى فيها صلة القرابة؛ فتخفف العقوبة، لكن؛ من المفترض أن يتمّ تعديل القانون بحيث يتضمن معاقبة الأم والأب أو أيّ فردٍ من العائلة على هذه الجريمة، وأيضاً معاقبة من أجرى العملية دون سندٍ من القانون أو مبررٍ طبيٍ يسمح بذلك".
ويتساءل البعض إذا كان لابد من إزالة الرحم للفتاه المعاقة فلماذا لا يتم عقر الذكور المعاقين إذا ما كان هذا الأمر يحقق مصلحة المعاق؟!!
تجدر الإشارة إلى أنّ معدل الإعاقة في الضفة الغربية أعلى منه في قطاع غزة، حيث بلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة حوالي 113 ألف فرد في فلسطين، منهم 75 ألفاً في الضفة الغربية، أي 2.7% من مجمل السكان في الضفة الغربية، و 38 ألفا في قطاع غزة، أي 2.4% من مجمل السكان في قطاع غزة، وبلغت هذه النسبة 2.9% بين الذكور مقابل 2.5% بين الإناث على مستوى فلسطين، وذلك وفق آخر إحصائية أصدرها تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2012.
 
أُم البنات.. حضّري الزهر..!
ومنذ وجودهن في أحشاء أُمهاتهنّ؛ تُنبذُ الإناثُ عند بعض الأسر الفلسطينية، ويبدأ تفضيل الولد على البنت، فإذا علم أفراد الأسرة بأنّ المولود المنتظر ولداً فإن ذلك يلقى فرحةً عندهم وتقديراً يختلف تماماً عما يحدث عند علمهم بالبنت؛ وهو ما يتناقض مع الرسالات السماوية كافة.
هنادي موسى أمٌ لم تتجاوز الثلاثين عاماً بعد، تزوّجت منذ كانت في الثامنة عشرة من عمرها، تقول؛ بينما تفرك أصابعها توتراً وخيفة: "خايفة أصوّر إللي في بطني ليكون بنت، والدكتورة تقولي حضري اللبس الزهر؛ مثل كل بطن، راح يغضب عليّ زوجي، ويغضبوا عليّ كل أهلي".
وتضيف هنادي: "..الجميع يُدللني الآن، ويُطعمني أفضل أنواع الطعام والشراب؛ على أمل أن يكون القادم ذكراً، ويا ويلي لو كانت بنتاً، راح يثبّتوا عليّ لقب "أم البنات"".
هنادي الآن في شهرها الرابع من الحمل، تؤكد ألا شيء يؤرقها ويجهد نفسيتها أكثر ممن حولها المتعطشين لحفيدٍ ذكر لا حفيدةٍ أنثى؛ في حين أنّ أقصى ما تتمناه هو سلامتها وسلامة المولود، أياً كان نوعه.
تجدر الإشارة إلى أن (26.7)% من النساء الحوامل (15-49) عاماً مصابات بفقر الدم خلال عام 2010، (39)% في قطاع غزة، (15)% في الضفة الغربية، وذلك حسب التقرير الصحي السنوي في فلسطين الصادر عام 2011.
 
براءة نضجت
أمّا "رزان . س" (17) ربيعاً فهي طفلةٌ ذكيةٌ متفوقةٌ في دراستها؛ رغم كلّ ما تراه بأمّ عينيها من تفرقةٍ بينها وبين أشقائها الذكور، حيث تُجبر منذ الآن على خدمة إخوانها الذكور داخل الأسرة، وتُكره على ترك لعبها أو دراستها للتفرّغ لمساعدة أمها في الأعمال المنزلية، في حين يحصل شقيقها -الذي يصغرها بعامين- على وقتٍ أكبر؛ للتركيز واللعب والانطلاق خارج المنزل.
رزان تُعبّر لنا ببراءةٍ ناضجةٍ عما بداخلها من شعورٍ بالظلم والقهر فتقول: "كتير ألمح أمي كيف بتحطّ اللحمة والدجاج أمام إخواني، وترمي قدّامي القليل، أو أسوأ جزء في الدجاجة كالرقبة مثلاً".
وتتابع: "أنا بآكل وبأضلّ ساكتة.. لكن من جوايّا بأحسّ إنّي صرت أكره إخواني.. هما مشّ أحسن منّي في إشي.. وما بأنسى إنو إمي رضّعتهم كلهم أكتر مني".
..."وليش أنا إللي أرتّب غرفتهم بعد ما يخربطوها.. وأمسح وأنظّف من وراهم.. مشّ ضايل غير إني أتنفس عنهم".
وتستطرد رزان بلهفةٍ وكأنّها تستثمرُ فرصة سماعنا إياها: "لمّا أمرض أبوي ببعت أخوي على الصيدلية يحضر لي أيّ نوع دواء، أما لما واحد من إخواني بيمرض فلازم ياخدوه للدكتور أو العيادة على السريع".
"..أنا مش عارفة لما آجي أدخل الجامعة شو راح يعملوا في، ويا ترى راح ألحق أدخل الجامعة أصلاً ولا لأ.. خاصة إنو كل ما يتقدم عريس إمي بتجبرني إني أطلع ليتفرجوا عليّ أهله ويفحصوني.. ما أنا بضاعة للبيع..!".
ولازالت العادات والتقاليد تمارسُ ضغوطاً حقيقيةً للتفرقة بين الأولاد والبنات، باعتبار أنّ الولد هو الذي يحقّق لأبويه إعمار المنزل بالزواج والإنجاب، والمساعدة في المعيشة، في حين يُنظر إلى الفتاة على أنها تعيش بشكلٍ مؤقتٍ في بيت أبيها ثم تنتقل إلى بيت زوجها!!.
وتخضع الفتاة في المجتمع الفلسطيني بشكلٍ عامٍ منذ طفولتها لتربيةٍ صارمةٍ تتطلب الطباع الليّنة وقلّة الكلام، وانخفاض الصوت عند الضحك، في حين يُتركُ للفتى حريةُ الكلام والتصرف، ويتدربُ الصبيّ ليكون شجاعاً قوياً لا يبكي؛ في حين تُوجه البنتُ لتكون سلبيةً ضعيفة. ويحاول الأهل استثارة الصبيّ بهدف تعويده على العدوانية والشجاعة، ويسخرون منه إذا بكى أو خاف، ويتسامحون معه إذا تسلّق الأشجار والجدران، وفي المقابل؛ يرفضون أن تكون البنت كثيرة الحركة، متمتعةً بالحيوية والاستقلالية، ويؤنبونها على كثيرٍ من التصرّفات التي يتسامحون فيها مع الصبي، ويحاولون تعديل سلوكها، ويشجّعونها لكي تكون هادئةً ومطيعة.
 
حصار أكاديمي
"حنان" تريد أن تطال بيديها الثُريا.. فهي طالبةٌ جامعيةٌ طموحةٌ وخلّاقة، طالما حلمت بأن تدرس علوم الفضاء؛ لكنّ إصرار أهلها على عدم سفرها -خشيةً عليها كونها أنثى- جعلها تعود إلى علوم الأرض، فتطفئ سراج علمٍ وتميزٍ كان سيضيئ حياتها وحياة مجتمعها من حولها.
وتدرس حنان الآن في كلية التربية (تخصص تعليم المرحلة الأساسية) وذلك حسب ما اختار لها والدها كي تضمن فرصة عملٍ محترمةٍ، ومدة دوامِها قصيرة وليس فيها اختلاطاً في الغالب –حسب تعبير والدها-.
وتقول: "حتى فرصة أن أختار تخصّصي الجامعي حُرمت منه.. كل ذلك لأنّي بنت، ولا أعلم كلّ النماذج المبهرة من النساء القياديات والمبدعات في العالم اختار لهنّ والدهنّ تخصصهنّ الجامعي، ووُضعهن في دائرة الشكّ والحصار الفكري والأكاديمي؟!!".
أما نسرين فرجالبالغة من العمر (20) عاماً؛ فمنذ أن أنهت الثانوية العامة وهي تنتظر نصيبها -كما تقول- كي تبدأ حياةً فُرضت عليها فرضاً، وحرمتها من إكمال تعليمها الجامعيّ؛ كون دخل الأسرة قليلاً ولا يكفي لتعليم الأبناء والبنات معاً؛ فـ"الأولوية لأخوك".. جملةٌ طالما ضاقت آذانهابسماعها وبينما يطوي شقيقها طريق العلم بخطواتٍ ثابتةٍ ومدعومةٍ بتشجيعٍ من الأهل.. تطوي هي سنيّ حياتها حبيسةً بين جدران المنزل بتهمة أنها "أنثى" ووسط قسوة الروتين وملل الانتظار.
 
الحمل بـ"لقيط" !!
فور أن وُلدت للحياة.. وأطلقت صرخاتها الأولى.. أُلقيت في بيارةٍ نائيةٍ تلُفّها قطعةُ قماشٍ بالية.. ويُغطي وجهها وجسدها آثارُ الدم والمخاض..
لم تستطع من أنجبتها أن تُرضعها، أو تُقبّلها، أو تحتضنها -كما تفعل باقي الأمهات- مع فلذات أكبادهن، فهي كانت تنتظر -بفارغ الصبر- اليوم الذي تتخلص فيه من ذاك السرّ الذي ملأ أحشاءها على مدار تسعة أشهرٍ متواصلة.. بقيت خلالها تتوارى عن أعين الناس.. يعتصرها الحزن والضيق..
"ع . س" طفلةٌ مجهولة النسب، وضعتها أُمُها بعد أن حملت بها غصباً عنها نتيجة جرم "رجل".. ولم يكن أمامها سوى أن تُلقي بمولودتها في العراء؛ لتنشأ وتكبُر، وتواجه مصيرها المجهول والغامض.. تماماً كغموض والديها ونسبها، وكلِّ شيءٍ سيحيط بها..
ويوضح مؤمن بركات، مدير جمعية مبرّة الرحمة، وهي الوحيدة التي تُعنى بالأطفال مجهولي النسب) أنّ الجمعية وبعد عام 2007 تستقبل ما بين (7-8) حالات سنوياً، وخلال العام 2012 المنصرم استقبلت (6) أطفال، أما العام الحالي 2013 فاستقبلت -حتى شهر يونيو- طفلين".
ويقول بركات: "ليس من مصلحتنا أو تخصصنا أن نبحث عن كيفية وتفاصيل ولادة الطفل، لكنّ مهامنا تنحصر في استقباله ورعايته وتسجيله لدى الدوائر المختصة واستخراج شهادة ميلادٍ باسمٍ وهميّ، وتقديم كلّ مستلزمات الحياة لهم؛ من مأكلٍ ومشربٍ ومسكنٍ وعنايةٍ صحيّة وتعليم".
من جهته؛ يؤكد مستشار الجمعية أنّ: "عدداً كبيراً من الأطفال مجهولي النسب يعانون من إعاقاتٍ وأمراضٍ نفسيةٍ وعقليةٍ وجسدية؛ كالتخلّف العقليّ والشلل، وآخرون يعانون من مشاكل في السمع أو النطق أو البصر، وأبرز ما يعانون منه: الشعور بالوحدة، والذي يؤدي بهم إلى الانطواء والعزلة..".. عازياً ذلك إلى "..الظروف غير الطبيعية التي يمرُّ بها أولئك الأطفال أثناء الحمل وبعد الولادة، حيث تتناول بعضُ الأمهات الحوامل أدويةً بهدف الإجهاض، كما أنّهن يكُنّ في حالةٍ نفسيةٍ وعصبيةٍ غير مستقرة، ناهيك عن سوء التغذية، وغياب الرعاية الصحيّة بالأم الحامل وبالجنين".
 
الانقسام يزيد العنف 
هبة الزيان، محلّلة برامج في هيئة الأمم المتحدة للمرأة –UNWoman أكدت أنّ "الهيئة تعمل على مجموعةٍ من البرامج المتعلّقة بالحدّ من ظاهرة العنف ضد النساء في كلٍ من قطاع غزة والضفة الغربية على حدٍ سواء، وذلك بالتعاون مع الوزارات، ومؤسّسات المجتمع المحليّ والمدنيّ والدوليّ، حيث يدفعون باتجاه تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، وإيجاد وحداتٍ لحماية الأسرة في الوزارات المختلفة، والعمل على تدريب الشرطة على كيفية توثيق حالات العنف والتعامل معها، وإدماج مفهوم حماية النساء في عملهم، إلى جانب العمل على حملاتٍ توعويةٍ في المدارس؛ للحدّ من هذه الظاهرة، وبناء تحالفاتٍ لمناهضة العنف ضد المرأة؛ مثل تحالف "أمل" ودعم "خطّ الإرشاد المجانيّ" (سوا) المختص بقضايا العنف ضد المرأة".
وتدعو الزيانإلى "ضرورة تضافر الجهود ما بين الجهات المختصة للعمل على وجود استراتيجيةٍ وطينةٍ وأجندةٍ موحدةٍ فيما يتعلّق بقضايا العنف ضد المرأة، والضغط لتوحيد القوانين ما بين الضفة وغزة، وتعديل القوانين الفلسطينية؛ بحيث تُوضع بنودٌ تُجرّمُ العنف بشكلٍ واضحٍ وصريح؛ إلى جانب العمل على إيجاد آلياتٍ لإعمالها وإنفاذها. 
وتوافقها وسام جودة، منسقة برنامج المناصرة في مركز شؤون المرأة التي تؤكد أنّ القوانين الفلسطينية تُعاني من تعدّدها، وبالتالي؛ اختلاف تطبيقها،  والإجراءات المتّبعة ما بين غزة والضفة، واستمرار عدم توحيد التشريع في فلسطين  يُشكّل أساساً لاستمرار التمييز السلبيّ والمبني على أساس النوع الاجتماعي".
وتوصي جودة "بالعمل الجادّ على تحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي والقانوني الفلسطيني؛ الذي لا زلنا نكتوي به، ومن ثمّ؛ الإسراع في إجراء انتخاباتٍ ليشكّل هذا دفعةً للعمل بتوازنٍ اتجاه قضايا النساء،  وبالتالي؛  تحقيق التمكين والعدالة والمساواة". 
من جهته؛ يُشدّد أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية على ضرورة ألا تبقى قضية العنف المبني على النوع الاجتماعي أولويةً لدى المؤسسات النسوية فقط؛ بل يجب أن تكون قضية المجتمع الفلسطيني بأكمله. مشيراً إلى أنّ "الشبكة تبذل قُصارى جهدها على كافة الأصعدة للحدّ من هذه الظاهرة، حيث تعمل على خلق حالةٍ من الوعي والرأي العام الرافض لها بين الإناث والذكور على حدٍ سواء، وذلك من خلال العديد من خطط المناصرة والضغط، وتعديل السياسات والتشريعات والقرارات على المستوى الرسمي لصالح نبذ العنف؛ لا سيّما المبنيّ على النوع الاجتماعي".
ويأسف الشوا من "ارتفاع وتيرة العنف بشكلٍ عامٍ ضد النساء، وهو ما يؤكد الحاجة الماسّة لمزيدٍ من التكاتف والتعاون ما بين الجهات المختصة كافة؛ للعمل الجادّ للقضاء على التمييز والعنف ضد النساء، حيث أنّ المرأة لها نصيب الأسد من المعاناة والمآسي جرّاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية في فلسطين عموماً".
 
تبرير العنف بدلاً من تجريمه..!
تعتبر الناشطة النسوية عندليب عدون ومديرة "مركز الإعلام المجتمعي" أنّ "السبيل للحدّ من العنف ضد النساء على أساس الجندر هو نصّ القانون، الذي يجب أن يتعامل مع المواطنين بغضّ النظر عن الجنس أو غيره من الاعتبارات الأخرى، بمعنى: أن يُعامل المرأة والرجل على أساس المواطنة، وليس على أساس الذكورة أو الأنوثة؛ وعليه؛ يجب تعديل النصوص القانونية بما يضمن العدل والإنصاف بين المواطنين، وأن يأخذ كلُ ذي حقٍ حقّه، وأن يُعاقب المعتدي على حقوق الآخرين".
 وتستطرد قائلة: "القانون هو الوسيلة الأقوى للضرب على أيدي المعتدين على النساء، أو المنكرين لحقوقهنّ؛ فقط لكونهن نساء".
وتنوه إلى عاملٍ آخر مهم؛ ألا وهو "الإعلام" الذي يجب أن يعمل على تشكيل وعيٍ جديدٍ وثقافةٍ تتماشى وروح العدل والإنصاف؛ الذي يجب أن تُعامل بهما النساء".
وتُشاطرها الرأي الإعلامية والكاتبة الصحفية دنيا الأمل إسماعيل التي تشدد على أهمية "أن يكون هناك إعداداً معرفياً للإعلاميين والإعلاميات حول ماهية العنف وأسبابه، وكيفية مواجهته، وطرق التعامل معه، واعتماد المنظور الجندري في كلّ المضامين الإعلامية التي لها علاقةٌ بالقضايا الاجتماعية بشكلٍ عامٍ وقضايا المرأة بشكلٍ خاص؛ مع ضرورة أن يكون ذلك مبنياً على رؤيةٍ فكريةٍ واضحةٍ تتأسّس على مركزية المرأة في المجتمع؛ بدلاً من مركزية الرجل، وربط كلّ ذلك بالمنظور الثقافي والسياق السياسي والاقتصادي الذي يتحرك فيه كلٌّ من النساء والرجال على حدٍ سواء".
وتؤكد إسماعيل على أن "الإعلام أحياناً يزيد الظاهرة ويناصرها بدون وعيٍ وبطريقةٍ مغلوطة، وهو ما يعمل على تكريس الصورة الذهنية المغلقة والمتعلّقة بالعنف، وكأنّ الإعلام يُبرّر العنف ضد النساء، ويصدره وكأنه موروثٌ إيجابيٌ بدلاً من أن يُجرّمه".
وتنبه إلى أهمية أن تتضمن التشريعات الإعلامية ما يُجرّم عدم وجود تغطية نزيهة وعادلة لقضايا العنف ضد المرأة، وتتبع جرائم النشر والإعلام؛ لا سيما الإلكتروني منها؛ وذلك ليس فقط من باب كونها قضايا قذف وتشهير؛ لكن من باب أنها جرائم نشر قد تقود لجرائم جنائية".
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد