تقارير وتحقيقات

سوسيا.. حكاية قرية رهن 'الاغتيال'!!

|
سوسيا.. حكاية قرية رهن 'الاغتيال'!! خلال احدى التظاهرات التضامنية مع قرية سوسيا (ارشيفية)

 رام الله/ وفا- فضل عطاونة:  كثيرة هي المدن والقرى التي جرى 'اغتيالها'، وقليلة تلك التي لم تطلها عملية الاغتيال عبر عصورها المختلفة على أيدي محتليها. غير أن لقرية سوسيا شرق بلدة يطا جنوب الخليل، حكاية اغتيال مُرة!.

سوسيا، القرية الصغيرة والوادعة التي تأسست فيها منذ نشأتها الأولى، في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، حالة 'البداوة' الفلسطينية، هي لمواطنين هم الأصليون فيها وعليها.
هناك، في سوسيا التي لا يتجاوز عدد سكانها بضع مئات من المزارعين والرعاة ومربي الماشية ( 400  نسمة)، يمكن ان ترى بأم العين حياة مختلفة لآدميين من لحم ودم. آدميون اعتادوا الالتصاق بالطبيعة إلى درجة التماهي، خوفا من الاقتلاع وعشقا للأمكنة.
للصمود هناك، معنى مختلف تستشرفه في التجربة اليومية للناس البسطاء الذين يسجلون يوميا أعمالا بطولية دون ضجيج أو انتظار لإطراء من أحد.
على الأرض الشاسعة والقاحلة والعطشى معظم أيام السنة.. هناك جنوب الخليل، تقع قرية سوسيا المتواضعة و'البدائية'، حيث تسجل بضع عشرات من العائلات فقط منذ سنوات عديدة، فصولا خاصة في عملية المواجهة مع البرنامج الاستيطاني الإسرائيلي، وتواجه بجسارة قسوة المحاولات التي تستهدف إجبارهم على الرحيل من الأمكنة التي ارتبطوا بها فترة طويلة من الوقت.
وفي سوسيا التي تخشى هذه الأيام من 'أنياب' الجرافات الاسرائيلية بعد قرار سلطات الاحتلال بهدمها لذراع 'أمنية'، يرقب المواطنون (مواطنوها) وهم يتعلقون بخيط أمل، بأن تستجيب دولة الاحتلال للدعوات والتحذيرات الصادرة عن مجلس الاتحاد الأوروبي، وعن مؤسسات حقوقية محلية ودولية تعنى بمتابعة الأوضاع في الأرض الفلسطينية,, وعن صديقتها أميركا، لوقف عملية الهدم والتطهير العرقي لسكانها.
وكان مجلس الاتحاد الأوروبي قد دعا أمس الأول، في مبادرة سياسية صادر عن اجتماعه حول عملية السلام في الشرق الأوسط، اسرائيل الى تمكين البناء الفلسطيني، وكذلك التطور الاجتماعي والاقتصادي في مناطق (ج)، والى وقف خطط الترانسفير القصري للسكان وهدم المنازل الفلسطينية والبنية الأساسية في مناطق سوسيا وأبو نوار، بينما دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيري، الى الامتناع عن تدمير قرية سوسيا، وقال في تصريح للصحفيين قبل يومين: 'إننا نراقب عن كثب التطورات وندعو بشدة السلطات الإسرائيلية إلى الامتناع عن تنفيذ أي تدمير في قرية سوسيا'، مضيفا ان 'تدمير القرية الفلسطينية أو أجزاء منها وطرد فلسطينيين من منازلهم سيكون ضاراً واستفزازياً' مشيراً إلى أن مثل تلك الأفعال لها تأثير يتجاوز الأفراد والعائلات الذين يتم طردهم. وأوضح المتحدث 'إننا قلقون من أن تدمير هذه القرية قد يفاقم من سوء مناخ التسوية وسيضع معياراً مضراً بشأن التشريد ومصادرة الأراضي وخاصة مع الأخذ في الاعتبار النشاط الاستيطاني في المنطقة'.
..وفي سوسيا، وفي القرى والخرب النائية المجاورة جنوب وشرق بلدة يطا، يخلع الاحتلال هذه الأيام كل الأقنعة، ويتبدى عاريا وبشعا: ' إطلاق رصاص، قتل، تشريد، هدم بيوت وكهوف وعرائش، وترك مئات العائلات في العراء'!
وفي حكاية سوسيا ايضا، أنه وفي عام 1983 أقيمت بجوار القرية مستوطنة تحمل نفس الاسم 'سوسيا' على أراض فلسطينية جرى الإعلان عنها أراضيَ دولة.
وفي عام 1986، حيث لم يتجاوز عدد العائلات التي سكنت سوسيا، في المباني والمُغر، قرابة 25 عائلة.. في تلك السنة أعلنت ما تسمى الإدارة المدنية الاسرائيلية عن منطقة القرية 'موقعًا أثريًا'، ثم صودرت الأراضي 'لأغراض عامة' وطرد جيش الاحتلال الإسرائيلي سكانها من بيوتهم.. وفي تموز 2001، وبعد فترة قصيرة على مقتل أحد سكان مستوطنة سوسيا ويدعى ليئير سيناي، طردت قوات الاحتلال سكان القرية مجدّدًا، لتكون هذه آخر مرّة من ضمن مرّات عديدة. وقد جرت عملية الطرد بلا تحذير حيث هدم الجنود خلالها ممتلكات السكان ودمروا المُغر وسدّوا آبار المياه.
وفي السنوات التي تلت ذلك، وتحديدا في العام 2011 هدمت قوات الاحتلال 10 مبان سكنية في القرية، ستة مبان استخدمت حاجات معيشية واربعة آبار ماء.
وفي حكاية سوسيا القرية و'سوسيا' المستوطنة، قصة جوار باهظ الثمن، حيث سبق لمستوطني الأخيرة ومعهم مستوطنو المستوطنات المجاورة (كرمئيل، ماعون، حافات ماعون، ماجن دفيد، حافات يئير، متسادوت يهودا، نوف نيشر، وفيقال، وغيرها من البؤر التي هي قيد الإنشاء...) أن سيطروا على ما يقرب 3,000 دونم تابعة لسكّان القرية، في وقت يستغل فيه المستوطنون عدم قدرة السكان على الوصول إلى أراضيهم، حيث قاموا في صيف 2010 باستصلاح قرابة 400 دونم، تشكل قرابة 15% من مجمل الأراضي التي مُنع الفلسطينيون من الوصول إليها.
مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة 'بتسيلم'، أشار، بهذا الخصوص، الى انه  في يوم 4/5/2015، رفض قاضي المحكمة العليا، نوعَم سولبرج، طلبًا لإصدار أمر مؤقّت يوقف تنفيذ أوامر الهدم التي صدرت ضدّ بيوت في قرية سوسيا جنوبيّ الخليل. وطلب السكان إصدار هذا الأمر في إطار التماسهم ضدّ قرار 'الإدارة المدنيّة' رفض الخارطة الهيكليّة التي أعدّوها للقرية.
ويعني قرار القاضي سولبرج- بحسب بتسيلم- أنّ بوسع سلطات الاحتلال هدم كلّ بيوت القرية في أيّ لحظة.
وقال 'بتسيلم': 'إنّ تنكيل سلطات الاحتلال الإسرائيلية بسكّان قرية سوسيا لم يبدأ اليوم: فقد طرد الجيش الإسرائيلي و'الإدارة المدنيّة' السكان من بيوتهم عدّة مرات، التي سكنوها قبل احتلال إسرائيل للضفة، فيما تمتنع السلطات الإسرائيلية، أيضًا، وبشكل منهجيّ عن حماية سكّان القرية من المستوطنين الذين يعتدون عليهم وعلى ممتلكاتهم، ويفرضون القيود على حركة سكّان القرية صوب يطا، وهي مدينة القضاء التي يتبعون لها'.
وأضاف ' يُعتبر السكّان الفلسطينيّون، وخلافًا للمستوطنين، سكّانًا 'محميّين' وفق القانون الإنسانيّ الدوليّ، وبذا فإنّ المسّ بهم يبرز خصوصًا على خلفيّة دعم ومساعدة السلطات في بناء مستوطنات المنطقة وتوسيعها، حتى تلك التي أنشئت خلافًا للقانون الإسرائيليّ'.
'إن الاحتلال لن يستطيع إلغاء وجودنا وحقنا في أرضنا مهما فعل من هدم وتهجير واقتلاع، وإن استمرار إسرائيل في سياستها في الاقتلاع من النكبة إلى النكسة إلى يومنا هذا، لن يزيدنا إلا إصرارا على الصمود والثبات في وجه الاحتلال'  هذا ما قاله رئيس الوزراء رامي الحمد الله، خلال زيارته للقرية في الثامن من حزيران الماضي، بحضور ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين جون راتر، والقائمة بأعمال منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة دانييلا اوين، وعدد من الوزراء والقناصل والسفراء والمسؤولين.
نصر النواجعة، الناشط في مجال مقاومة الاستيطان، ومن أهالي المنطقة، قال بدوره: إن هدم قريتنا او تدميرها وتسويتها في الأرض لن يحقق محاولات سلطات الاحتلال كسر إرادتنا، كما لم يحقق هدفه بتفريغ المنطقة من كل اثر للوجود الفلسطيني الذي يرفع رايته فلاحون بسطاء عنيدون إلى درجة الموت، مشيرا الى أن حياة أهالي سوسيا، وحياة غيرهم من أهالي التواني ومنيزل والزويدين والفقير، و..، إنما تستحق الاهتمام، فهم في هذه القرى البعيدة حراس الأرض المقدسة!!

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد