فسحة للرأي

المشاجرات وثقافة الاعتداء الجسدي

عزت ضراغمة |

 كتب - عزت ضراغمة:  قلما يمر يوم الا وتحمل لنا الأنباء والمعلومات وقوع ضحايا واصابات جراء مشاحنات وشجارات تقع في هذه البلدة او المدينة او ذاك المخيم، فتتسارع بعد ذلك خطى وجوه الخير ورجال الاصلاح والجاهات والوساطات لتطويق واحتواء الابعاد والتداعيات وردات الفعل ما امكن، وفي حال نجاح هذه الجهود يندفع المتخاصمون الى احد طريقين لا ثالث لهما، فإما الندم على ما حدث والتمني لو لم يقع المحذور خاصة في حال ازهاق ارواح بريئة او وقوع اصابات جسدية بليغة، او اذا ما لحق بالخسائر البشرية خسائر مادية كان بالامكان لو كان العقل والتعقل حاضرا قبل الشجار والمشاحنة الاستغناء عنها، واما تعاظم الشجار وتحوله الى عداء يستدعي الأخذ بالثأر والانتقام ما يتطلب من اطراف الشجار اليقظة والاستعداد ومن ثم مباغتة الطرف الآخر بالانتقام. في شهر رمضان المبارك الذي مر للتو ومع ان الله ابلغنا باقفال الابواب وتغليقها على شياطين الشر، ورغم ان هذا الشهر مخصص للعبادة والطاعات ولفعل الخير واستبدال السيئة بالحسنة، الا ان شياطين الانس كما يقولون فاقوا وتفوقوا على نظرائهم من الجن، حتى ان اعداد المشاجرات والمشاحنات والضحايات والاصابات والخسائر المادية الناجمة عن ذلك وصلت الى ذروتها حتى زاد عدد الضحايا من المصابين والقتلى على 57 شخصا عدا عما قدر بملايين الشواقل من الخسائر المادية، فهل الاسباب التي دعت المتخاصمين والمتشاحنين كانت تستحق في حجمها ودوافعها كل هذه الخسائر؟ وهل استوعب اطراف الخلاف والنزاع ابعاد وتداعيات ما قاموا به من اعمال وخرق للعادات والتقاليد والتعاليم السماوية؟ هل ندموا على ما فعلوه من تخريب للممتلكات او اعتداءات على ارواح اناس ابرياء؟ وهل اخذ المتابعون والمتحدثون والناقلون لحيثيات المشاحنات والمشاجرات العبرة كي لا يكرروا نفس اخطاء اطراف النزاعات والمشاحنات؟! ان الباحث عن اسباب ودوافع اي خصام او مشاحنة او مشاجرة وقعت او يتوقع حدوثها، لا يجد ما يستدعي لممارسة الاعتداءات الجسدية او المادية مهما كانت مثل هذه الاعتداءات طالما ان هناك سلطة قضائية وتنفيذية وامنية توفر له ما له من حقوق ومطالب وتقتص له بنفاذ القانون ممن الحق به الاذى او اعتدى عليه وعلى ممتلكاته، لا سيما ان مجرد تجاوز سيارة عن اخرى او سؤال مواطن عن ثمن بضاعة ما او اصطدام او احتكاك مواطن بآخر اثناء المرور في الشارع.. الخ قد يكون سببا لمشاحنة او شجار تافه يقود عائلات باكملها للمشاركة في المواجهات ومن ثم اشاعة الفوضى وخرق القوانين والعادات الى ان يؤدي الامر الى وقوع الضحايا. ان شيوع واستفحال ثقافة الاعتداءات الجسدية تؤدي الى الغاء سلطة القانون، لأن عدم وجود رادع يقود الى تمادي المعتدي بمعنى ان عدم انفاذ النظام والقانون يؤدي الى ضياع وغياب الامن واثارة المزيد من البلبلة والفوضى، اضافة الى تدمير أسس ومقومات السلطة او الحكم او الدولة. ان استنفاد مقدرات اجهزة الامن خاصة الشرطة التي وجدت لفرض النظام والامن، والاستهتار بالسلطة القضائية وبالقيم والعادات والتعاليم السماوية، يؤدي الى خسائر مادية ومعنوية كثيرة كان الاولى استثمار قيمة هذه الخسائر بما ينفع الناس والوطن عدا عن تسببها بانهيار القيم الاجتماعية كافة، ومع ان جميع ابناء شعبنا يقدرون عاليا الدور الذي تقوم به لجان الاصلاح ورجال ووجوه الخير، الا ان فقدان اواصر الترابط والتراحم بسبب اخذ كل ذي حق ان صح ذلك بيده، الى جانب تنامي الجريمة والاستقواء بما ليس مشروعا من آليات وادوات نبذتها حتى المجتمعات الجاهلية، يؤدي ايضاء الى اقتلاع مقومات وصفة ابناء الشعب الواحد التي حافظ عليها الآباء والاجداد وحموها بحدقات عيونهم.

 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد