فسحة للرأي

ما ينبغي أن يعلمه الواهمون

عدلي صادق |
ما ينبغي أن يعلمه الواهمون

 كتب - عدلي صادق:  في العام 2013 أصدر فلينت ليفريت، المحلل السياسي لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية، كتابه الشهير "الذهاب الى طهران" نصح فيه البيت الأبيض، بالتقارب مع إيران، خدمة لمصالح أميركا المشتركة معها. وقد أثار الكتاب حال ظهوره، نقاشاً طويلاً في كواليس السياسة الأميركية وإداراتها، لأن ليفريت أصلاً، بروفيسور مرموق في العلاقات الدولية، وخدم في مجلس الأمن القومي الأميركي مديراً لإدارة شؤون الشرق الأوسط، وبعدئذٍ خبيراً في مكافحة الإرهاب، ورئيساً لبرنامج التأهيل الثقافي في الجغرافيا السياسية لمنتسبي وكالة الاستخبارات، ثم إن فلنت، لكي يضفي لمسة حميمة على الكتاب، فقد وضع مع توقيعه، توقيع زوجته هيلاي مان ليفريت على الغلاف! سألوه يومها في أروقة (CIA): تقارب على حساب مَن بالضبط؟. واستطرد سائل: "لا يُعقل في العلاقات الدولية المعاصرة، أن تربح أميركا وإيران معاً، دون أن يكون هناك خاسرون". أجاب ليفريت بذهنيته الذرائعية: "في البداية، يكون هناك تبادل أرباح. فأميركا في حاجة الى علاقات أفضل مع طهران، لكي تبدأ في تحسين روابطها مع العديد من الأنظمة العربية والإسلامية، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى من نفوذها في الشرق الأوسط". وعلى امتداد النقاش الأميركي الداخلي في موضوع الكتاب، كان فلينت ليفريت، يغمز من قناة العرب، ليس على صعيد انظمتهم المترهلة وحسب، وإنما كذلك على صعيد ثقافتهم التي يراها غير جديرة بكبح جماح الإرهاب. وقال بالفم الملآن، إن إيران هي اللاعب الحاسم لصياغة المستقبل، ليس في العراق وأفغانستان وحسب، بل في سوريا أيضاً. فإن عهدت واشنطن لطهران، بمهمة الضبط الإقليمي، فإنها ستتكفل بأمن أميركا وأمانها، وهذا ما ثبت أن العرب لا يستطيعونه! عن الحسم في سوريا، كان ليفريت واضحاً في تعليله للموقف الأميركي المتردد في مساندة انتفاضة السوريين ذات المضامين الاجتماعية والديمقراطية. قال في ذلك الوقت إن "أية حكومة تمثيلية تعقب نظام الأسد لن تكون أكثر انحيازاً لأميركا أو لإسرائيل من الأسد نفسه، وقد تكون أقلّ حرصاً مما كان الأسد عليه بخصوص تهدئة الحدود مع إسرائيل". وشدد المؤلف الاستخباري الأميركي على القول إنه، وضماناً للتوافق الأميركي ـ الإيراني، وحفاظاً على المصالح المشتركة، وكذلك لضمان أمن إسرائيل على طول خطوط احتلالها للأراضي السورية؛ فإنّ المطلوب ليس سقوط نظام الأسد، بل إسقاط الثورة عليه، ومساندة نظام لن يأتي المستقبل بما هو أفضل منه كضامن لشبكة المصالح هذه.                            ربما لا زال هناك ساذجون أو حالمون أو بسطاء، لا يرون في التقارب الأميركي الإيراني شيئاً يخصم من الموقف الإيراني المعلن من فوق المنابر، عن محو إسرائيل عن الخارطة. لكن تقارير الصحافة الغربية، التي بدأ مراسلوها في التوافد على إيران، تنقل لنا ما ينم عن صحة توقعات ليفريت، وآخرها تقرير نشرته جيروزاليم بوست الإسرائيلية، نقلاً عن صحيفة "فوروارد" اليهودية البريطانية، يؤكد على تصريحات مسؤوولين يرون الخلاف مع إسرائيل، محض اختلاف في السياسات، لا حول وجود إسرائيل نفسها. وهذا ما ينبغي أن يعلمه الواهمون. 

 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد