فسحة للرأي

أين الفصائل من غضبة القدس؟

بكر ابو بكر |
أين الفصائل من غضبة القدس؟

 كتب - بكر ابو بكر:  إن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية- إلى جوار حركة "فتح"- تشكل وشكلت بحق الشريك المشاكس والمعارض الشرس لكنه في كل المراحل حتى حين تفرقت الدروب مؤقتا كان يثبت انتصاره للهوية النضالية وفلسطين والصيغة الجامعة.


تعددت الرؤى والأيديولوجيات في فترات المد القومي (منذ الثلاثينيات في القرن 20 حتى سقوط حزب البعث) والصعود الشيوعي (حتى انهيار جدار برلين عام 1991) فخاضت فصائل اليسار والمعارضة الفلسطينية (سواء تلك القومية، أو ذات المنهج الماركسي حينها) معاركها الداخلية في نطاق الصراع الذي حمل ثلاثة معان الأول: المرتبط بالفهم الفكراني (الايديولوجي) للصراع، وبالتالي تحديد طبيعة البرنامج السياسي والنظرية، والنظر (للقيادة المتنفذة) في منظمة التحرير الفلسطينية التي مثلت بنظرها (اليمين) الفلسطيني.

وبالمعنى الثاني: وفق امتدادات أو تحالفات أو ارتباطات أو تقاطعات هذه الفصائل مع الأحزاب المثيلة في الدول العربية أو الدول الصديقة, بمعنى أن أكثر التنظيمات التي دانت بالولاء للفكرة القومية كان مرشدها إما في مصر لفترة من الزمن، وإما في العراق أو سوريا ارتباطا بالفكرة وبأحد القيادتين "القومية والقطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي" المتناحرتين في البلدين.

وكان المعنى الثالث هو في أدوات الصراع المستخدمة التي تراوحت ما بين أشكال خمسة ذات طبيعة ثورية كفاحية عنيفة: مثل العمليات الفدائية والاشتباكات عبر الحدود البحرية والبرية مع الكيان الصهيوني، وثانيا: خطف الطائرات وتدمير المصالح الغربية والاسرائيلية فيما عرف بالعمل الخارجي، وثالثا العمليات الصاروخية ضد المستوطنات الصهيونية من الجنوب اللبناني، وفي الشكل الرابع كانت العمليات الاستشهادية باقتحام المستوطنات وأسر الجنود والمستوطنين، والشكل الخامس كان حرب المخابرات والاغتيالات السياسية, فتصارعت الفصائل وحركة فتح داخليا في المعاني أو النطاقات الثلاثة (الأيديولوجي– السياسي, الامتدادات الفكرية والسياسية، أدوات النضال الأكثر جدوى).

ورغم ما شاب الصراع الداخلي من فترات حادة وخروج ودخول في الاطار الجامع أي في (م.ت.ف) والانحياز لمحور عربي هنا أو هناك، إلا أن الولاء والانتماء ظل للجميع باعتقادي لفلسطين وللإطار الجامع أي منظمة التحرير الفلسطينية التي ناضلوا لتغييرها أو تغيير توجهاتها وتغيير بعض قياداتها من داخلها، ولم يسع أحد– رغم شدة العبارات المستخدمة حينها (وباستثناء بعض حالات الانشقاق)– لتدميرها أو استبدالها أو وراثتها كما فعلت "حماس" في أكثر من محاولة فاشلة حتى الآن.

هذه الإشارة للفصائل تستدعي الاحترام والإكبار لها مهما اختلفنا معها نحن في حركة فتح، وتستدعي التفهم لوجهات النظر والسياسات المختلفة، ونضيف هنا أن الفصائل في زمن مضى اختلفت كثيرا عن اليوم حيث انفرط عقد الفكر الماركسي الشيوعي ومنظومته الدولية، وتراجع الفكر القومي السوفيتي أيضا، فغدت التنظيمات جميعها تقريبا تسبح في فضاء الفكر الديمقراطي العلماني الممتد لجذوره في الحضارة العربية الاسلامية وإن بأثواب متجددة مثل (الاشتراكية= الاجتماعية الديمقراطية) أو العلمانية (وليست اللادينية) والوطنية.

كان من الضروري أن نقدم بذلك لنقول أن التنظيمات عامة هي ذات إرث نضالي وكفاحي فلسطيني، وليست نبتا شيطانيا أوتنظيمات بلا قاعدة أو جمهور كما يحاول أن يصورها البعض، بغض النظر عن حجم الامتدادات التي أصبحت صعبة المنال لكافة الفصائل حتى الجديدة منها مثل "حماس" و"الجهاد" و"المبادرة".

سؤالنا المركزي هنا هو: أين هذه الفصائل من هبّة أو انتفاضة أوغضبة القدس؟ وهل من الجائز أن يحوم الوضع السياسي الفلسطيني حاليا حول ثنائية حركة "فتح"– "حماس" كما كان في السابق حول حركة "فتح"– "الشعبية"؟

أقول إن الثنائية قد تكون في وضعنا الفلسطيني قاتلة، لأن التعددية المنفتحة التي تعلم أين تتفق مبدئيا فتقف عند حدودها, وتعرف أين تختلف هي التي تشكل درعا للوطن ودرءا له عن مخاطر جمّة يتخطفنا الإقليم باتجاهها, وتعريجا على هبة القدس فإن أدوار الفصائل (القومية والديمقراطية الاشتراكية سواء القديمة, أو الجديدة وأبرزها حركة المبادرة) هي ما بين حالات ثلاثة: فهي إما مشاركة ومنخرطة قليلا أو كثيرا لا يهم، وإما داعمة ومساندة ليس بفعالية الانخراط، وإما نائية وهذه الاخيرة بلا أي مقوم من مقومات الانخراط أو الدعم لأنها هي بحاجة لتجديد خطابها وضخ دماء جديدة بها واعادة بناء فكرها ومعالجة وضعها بين الجماهير.

من هنا فإننا بغض النظر عن مستوى وحجم المشاركة الميدانية فلا شك أن كل التنظيمات هي في الإطار الفاعل أكان المقصود الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو المبادرة الوطنية أو الجبهة الديمقراطية أو الجبهة العربية أو جبهة التحرير الفلسطينية أو جبهة النضال الشعبي أو حزب الشعب أو حزب فدا أو غيرها؟ وهي وإن تقاربت برامجها- في غالبها- ما قد يمكنها في المستقبل من توحيد قواها وأطر جماهيرها إلا أنها في ذات الفعل النضالي تشكل صمام أمان للوحدة الوطنية، كما قد تشكل حصان طروادة للآخرين حال تشتتها أو ركوبها أمواج بحر ليس بحرنا، أو التجاء بعض تياراتها للانتهازية للّعب على القطبية الثنائية بين حركتي "فتح" و"حماس" لمصالح حزبية بحتة لا للمصلحة الوطنية العامة.

على فصائل المعارضة الفلسطينية عامة أن تنزع عن بعض رموزها وطروحاتها وأساليبها وهَن السنين، وقصر النظرة أو ازدواجيتها، وعليها أن تتحرر من عقدة الحجم والدور المساند فقط، كما عقدة التهيب من الآخر أو الانصياع له، في معادلة تحافظ على ردائها الفكري المنفتح في إطار الديمقراطية التي تفهم التقبل والتفهم والتجاور، كما عليها تمتين وعيها النضالي والمجتمعي والعربي، فتفصل كليا مسارها عن الفكر الظلامي الإقصائي سواء لدى الجانب الديني أو العلماني.

من هنا فإن كنا نقرّ بتقصير كافة الفصائل على صعيد الدعم القيادي السياسي لغضبة القدس، وإن بدرجات مختلفة، فإن مثل هذا التقصير يطال فصائل اليسار أو المعارضة الوطنية الفلسطينية, ولا يعفيها أبدا من دورها المزدوج في إلهاب النضال الشعبي من جهة وفي السعي الحثيث لتحقيق الوحدة الوطنية.
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد