فسحة للرأي

مصر في المقعد الخلفي لعربة القيادة السعودية

ماجد عزام |
مصر في المقعد الخلفي لعربة القيادة السعودية

 كتب - ماجد عزام *:  مثّلث عملية عاصفة الحزم في اليمن ما يشبه الانقلاب في السياسة السعودية التقليدية التي اعتمدت عادة على العمل السياسي السلمي الهادىء والقيادة من الخلف أو من خلف الستار. وفي هذه العملية التي امتلكت فيها السعودية زمام المبادرة، ومارست دور القيادة المباشرة،سعت الرياض كي تكون مصر السيسي معها، ولو من المقاعد القيادة الخلفية لان  القاهرة لم تكن متحمسة.وكانت  انذاك على تواصل علني وسرّي مع المحور الإيراني الذي يضم الحوثيين أيضاً، ولأنها كانت وما زالت تعتبر الإخوان الخطر الرئيس والعدو الأساس للنظام، وترسمأو تبلور اصطفافاتها وتحالفاتها على هذا الأساس.وهي فهمت أن أي عمل سعوديأو عربي في اليمن ضد الحوثيين والفلول لا يمكن أن يستثنيالإخوان، وبمعنى أصح فهمت مبكراً ما فهمته الرياض أيضاً باستحالة تحقيق الانتصار دون تعاون،وتحالف مع الإخوان وذراعهم السياسيوالقبلياالتجمع اليمني والإصلاح.

عملية عاصفة الحزم كانت ايضانتاج تحول مهم في السياسة السعودية،حصل مع تولى الملك سلمان  للسلطة خلفاًلأخيه الملك عبد الله، حيث استشعر الملك الجديد الخطر الإيرانيالداهم والغطرسة التي وصلت إلى حدّالاحتفاء بسيطرة الفلول والحوثيين على اليمن لضمّها إلى الامبراطورية الفارسية المزعومة،إلى جانب العراق،سورية ولبنان. ومن هنا بدات الرياض باعتبار الخطر الإيرانيبمثابة الخطر المركزي والاستراتيجي.وشرعت في بلورة التحالفات علىأساس ذلك،قاطعة مع فكرة  ان الإخوان هم الخطرالاستراتيجي على  امن واستقرار المنطقة، كما يدعي نظام السيسي، وأزالت الإخوان عمليا  عن لائحة الإرهاب وعدّلت القاعدة لتصبح أنها ليست فيحرب أو عداء وخصومة معها، بل مع من يمارس العنف الارهاب فقط ،ومعروف طبعاًأن الإخوان، ورغم حملة التضليل السياسي والإعلاميالمكثّقة ضدهم لم يكونوا يوماً من دعاة العنف أو الارهاب، وأن ثمة استثناءات محددة  تثبت هذه القاعدة ولا تنفيها.
بعد تحقيق الهدف الأساس في اليمن والمتثل بتحجيم الحوثيين وإجبارهم على العودة للتفاوض وفق نفس الأسس والوثائق المحلية العربية والدوليى التي انقلبوا عليها، اقتنعت الرياض أنه لا يمكن كسر الغطرسة أو الامبراطورية الإيرانية فياليمن فقط ،وإنما لا بد من إدارة الصراع مع طهران وأدواتها فيالإقليم برمته، وتحديداًفي سورية حيث بات الأسد بمثابة العمود الفقريالمتهاوىلأمبراطورية الدم العنف والعنجهية.وهنا أيضاًأرادت الرياض أن تكونمصر معهافي عربة القيادة السعودية الإقليمية، وأيضاً من المقعد الخلفيكما كان الحال في اليمن،وهو ما مثّل السبب أو الهدف الرئيس من زيارة الملك سلمان الأخيرة للقاهرة.
أراد الملك سليمان التأكد من وجود القاهرة في العربة، ولو من الخلف لمواجهة المشروع الايرانيالمتغطرس كونها اى الرياضتعرف أن قلب النظام مع التحالف الأقلوي المذهبي، وأنه في سورية تحديداًأقرب إلى طهران منه إلى الرياض.
استغلالا لوضعه الداخلي المتردي تأكل هيبته وانهيار شعبيته وشرعيته وأزماته المتفاقمة داخلياًوخارحياًسعى الملك سلمان إلى الاطمئنان علىاصطفاف القاهرة إلى جانبه،وعدم القيام بأي تشويشات أو مشاغبات على السياسة السعودية الإقليمية.
ومقابل ذلك قدم سلة مساعدات واستثمارات ضخمة تجعل النظام غير قادر على الاستغناء عن الرياض، وبالتأكيد عاجز عن المشاغبة أو التشويش ووالتآمر على سياستها الحازمة  ضد طهران وأدواتها في المنطقة.
إلى ذلك لايمكن تجاهل أو إنكار رغبة الرياض في عدم ذهاب الأمور إلىمزيد من التدهور والانهيار فيمصر، بما يضيف أو يرتب أعباء جديدة عليها مع يقينها طبعاًأن القاهرة ستنشغل بنفسها وهمومها لسنوات، وربما لعقود، ولن تكون في وضع يسمح لها بتحدّي الزعامة أوالقيادة الإقليمية السعودية، كما كان الحال زمن ناصر مثلاً.
في السياق الداخلي المصريلم يحمل الملك سلمان ولم تفكر السعوديةأصلاًفيأي وساطة أو مساعي من أجل التوصل إلى تسوية مقبولة وواقعية وقابلة للحياة بين النظام وخصومه والإخوان تحديداًمعتبرةأنهذا شأن داخلى داخلي لا علاقة لها به
غير أن التعاطيمع الإخوان فيالإقليم برمته يبدو شأناً سعودياً،وبامتياز،ولا يجب أن يتدخل أو يعترض عليهنظام السيسي كون السعودية لا تعتبرالإخوان عدوّأو خصم،وأيضاً لا تعتبرهمحلفاءأو مقربين،هيستتعاطى معهم بواقعية وحيثما اقتضت المصلحة السعودية، بمعنى أن إذا ما اقتضت المصلحة التعاطيمعهم كحليف، فسيحدث ذلك كما هو حاصل فى  اليمن، وهو الامر القابل للتطبيق أو الاستنساخفيساحات أخرى إذا دعت الحاجة.ومن هنا يمكن فهم قرار الرئيس اليمنى عبد رب منصور هادى  بتعيين اللواء على محسن الاحمر الوثيق الصلة بالإخوان وحزب الإصلاح نائباًله، وقبل زيارة سلمان للقاهرة بأيام فقط للتأكيد على الحقيقة الجديدة التي يجب أن تتعاطى معها وتفهمها القاهرة التى بإمكانها أن تستمر في خوص المعركة ضد الإخوان في مصر، ولكن لا يمكنها أن تملي هذهالسياسة على السعودية،وإنما العكس هو الصحيح الرياض هيالتي تفرض السياسية الإقليمية والقاهرة مضطرة للتبعية أو الالتحاق أو على الأقل الصمت، وعدم التشويش على المقاربة أو الاستراتيحية السعودية.
في سياق متصل لم يكن صدفة برأييأن يبرمج الملك سلمان زيارته القاهرة قيل زياته لأنقرة الخصم الإقليمي الأساس للسيسيونظامه. وهنا أيضاًتبدو المعادلة واضحة الرياض بحاجة لأنقرة و تعتبرها شريك مهم  في سياستها الإقليمية الممتدة من اليمن إلى سورية مروراًبالعراق. كما أنها حليف موثوق مصداق وجدّيفي مواجهة النظام أو ما تبقي من نظام بشار الأسد، وربما لا تسعى الرياض أو لم تفكر أصلاً في صلح أو تسوية بين القاهرة وأنقرة، ولكنها ستفرض هنا على القاهرة  نفس المعادلة المتعلقة بالإخوان والقاضيةبعدمفتح معركة سياسية أو إعلامية مع حلفاء أو شركاء الرياض،  وبالتأكيد سيسعى سلمان إلى تخفيف حدة وربما حتى الاقلاع عن الخطاب التركيالسياسي والإعلامي الرسمى المناهض لنظام السيسى،وهو الامر الذى تبدو أنقرة مستعدة له، ولكن دونأن يصل الأمر طبعاإلى حد تغيير السياسة أو التعاطيالتركي مع الإخوان فى مصر والمنطقة بشكل عام.
فلسطينياًوأمام كم التأويلات والاجتهادات التي بدأ بعضها ساذجاًأو مجافياً للواقع لم يحضر الملف الفلسطيني بشكل جدّيعلى جدول أعمال الزيارة ، وهو غير حاضر  ايضا فىالسياقالإقليمي، ولا طبعاً لدى طهران وحلفائها، ومع ذلك بالإمكان الاستنتاج  بقيام الرياض بتشجيع القاهرة علىالانفتاح تجاه حماس وتخفيف الضغط عليها بما يخصالمعبر وحصار غزة بشكل عام، ولكن دون الضغط أو النقاش حول استئناف القاهرة  لوساطتها المباشرة بين فتح وحماس لإنهاء الانقسام أووساطتها غير المباشرة بين حماس وإسرائيل فيما يخص التهدئة واستحقاقاتها. ببساطة القاهرة ليس بوارد الخوض أو الانخراط في الملف الفلسطينيبتجلياته المختلفة والرياض ليس بواردالضغطعليها أو دفعها لتغيير قناعاتها.
في الأخير،باختصار وتركيز كانالهدفالأساس لزيارة سلمان للقاهرة التأكد من بقائها في المقعد الخلفي لعربة القيادة الإقليميةالسعودية مع اهتمام الرياض طبعاً بعدم ذهاب الأمور إلى الفوضى والانهيار فى مصر المحروسة اما قصة الجزر فجاءت بمثابة الجائزة أو الهدف الإضافي للزيارة،وأعتقدأن الرياض كانت مستعدة للتخليعن الملف برمته لو لاقت ممانعة أو اعتراضجدّيسياسيقانونىوإعلامي منقبل السيسيونظامه.

* كاتب فلسطيني
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد