تقارير وتحقيقات

"الخلع في غزة".. اكثر من 2500 حالة خلع بالتراضي سنويا في القطاع

|
"الخلع في غزة".. اكثر من 2500 حالة خلع بالتراضي سنويا في القطاع

 غزة /  مصطفى دوحان * - تتردد المواطنة مريم على المحاكم الشرعية منذ نحو عام لرفعها قضية تفريق (خلع) على زوجها الذي هجرها منذ خمس سنوات دون حصولها حتى الآن على قرار قضائي بإنصافها. وتوجهت مريم للمحكمة بعدما فقدت طاقتها على التحمل في حياتها الزوجية ورفعت قضية التفريق وحتى الآن ما زالت معلقة على أحبال المحاكم الشرعية.


قديما كان يطلق على المشاكل الزوجية "ملح الحياة"، لكنها اليوم لم تعد كذلك، ويبدأ سيناريو الخلافات بين الأزواج لأكثر من سبب، منها ما يستحق ومنها ما لا يستحق.

تقول مريم "توجهت إلى المحامية سعاد المشني في الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون ورفعت قضية تفريق بسبب الهجر والتعليق، وبسبب عدم حضوره أي جلسة وتعقيد المحامين للاجراءات عرضت التنازل عن جميع حقوقي الشرعية مقابل الطلاق لكن زوجي رفض، والآن نحن في المحكمة الشرعية منذ سنة ونصف السنة وأنا معلقة تحت رحمة المحكمين الذين يماطلون في القضية ولا أعلم متى سأنال حريتي".

وتروي المواطنة أماني قصتها والدموع تنهدر من عينيها قائلة: "تعرضت لابتزاز من زوجي عندما طلبت الطلاق، وبعد تضحيتي بحقوقي الشرعية والقانونية كاملة حصلت على حريتي لكن لا أجد للحرية طعما ". 
وشهد العام 2015 في قطاع غزة ارتفاعا في حالات الطلاق غالبيتها حالات طلاق بالتراضي ، فقد بلغ عدد حالات الطلاق 3288 بمعدل 274 حالة شهريا منها اكثر من مئتي حالة طلاق بالتراضي(خلع).

مخرج شرعي
ونتيجة تفاقم المشاكل بين الأزواج واستحالة الحياة بينهما، اجتهد علماء الشريعة للبحث عن مخرج شرعي، لا يبقي المرأة معلقة فتوصلوا الى قانون الخلع الذي يتيح للمرأة فسخ عقد الزواج والافتداء بنفسها، وتم الاقرار به في مجلس القضاء الشرعي في الضفة.
يقول الشيخ أيمن حماد القاضي الشرعي في محكمة رفح الشرعية: الطلاق مع الإبراء العام أي تنازل المرأة عن كافة حقوقها الشرعية والقضائية يعتبر خلعا. 

ويضيف حماد: خلال شهر شباط الماضي رفع رجل قضية تفريق بسبب الشقاق والنزاع وأكد أن هناك قضية واحدة قد رفعها رجل في ملف المحكمة وهي جديدة.

ويتابع: هناك بعض القضايا ما زالت تراوح مكانها في المحاكم الشرعية، ويكون القاضي يرى الظلم بعينه لكنه لا يستطيع أن يحكم للمرأة كي يفك أسرها من زوج علقها لمدة خمس سنوات في المحاكم لأن الأمر متعلق بأوراق.

ويشير حماد الى أن المرأة بعد الفصل في المحكمة تنال حريتها وحقوقها كاملة ولكن بعد أشهر العدة إن كان لها عدة.

ويقول الشيخ عبد الخالق البحيصي مسؤول الإرشاد الأسري في المحكمة الشرعية بقطاع غزة إن الخلع "هو التفريق بين الزوجين بعوض تدفعه المرأة بلفظ طلاق أو بلفظ (خلع)، وفي المحاكم الشرعية يمكن للمرأة أن تطلق نفسها في أربع حالات وهي التفريق وأنواعه ومن ضمنها يأتي الخلع مع البراء العام".

ويضيف البحيصي أن الطلاق من خلال الإبراء العام ان تأتي الزوجة الى المحكمة تطالب بالطلاق نتيجة استحالة العيش مع زوجها لأسباب كثيرة ويتم استدعاء الطرف الثاني ويتم الاتفاق على تنازل المرأة عن جميع حقوقها وهو يعتبر "خلعا بالتراضي".

خلع للزوجين في غزة
وعلى الرغم من اعلان مجلس القضاء الشرعي في قطاع غزة انه سيطبق قانون الخلع القضائي "الافتداء" بان تفتدي المرأة نفسها في حدود المهر بداية العام الجاري الا انه اكتفى بتعميم قضائي صادر عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الذي تديره "حماس" بخصوص رفع دعوى الشقاق والنزاع من قبل الزوج او الزوجة، وبموجب التعميم الأخير يحيل القاضي هذا الأمر إلى حكمين، وبعدما تتم دراسة الملف من قبل الحكمين يخرجان بتوصية إن كان الخلف من الزوجة أو من الزوج وهذه القضية منصوص عليها في المواد 98 و99 و100و101و102 بقانون الأحوال الشخصية.

الزوج المعنف يخلع زوجته
ولأول مرة في قطاع غزة بدأ تطبيق توصية المكتب الفني التابع للمحكمة العليا، والذي ينص على حق الزوجين رفع دعوى خلع "تفريق للنزاع والشقاق".
أن يكون الزوج هو الضحية أو "المعنف" كما يصطلح عليه أمر غريب على المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.
ويعرف الزوج المعنف بأنه: "كل زوج تم ايذاؤه من قبل زوجته سواء بالقول أو بالفعل، ويترتب عليه استحالة الحياة الزوجية".

انتقادات
وانتقدت مراكز حقوقية نسوية في قطاع غزة، صدور قرار قضائي مؤخرا يتيح للزوج المعنف تطليق زوجته، معتبرة ذلك "مخالفا لمبدأ المساواة وعدم التمييز".
وقال مركز "الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة" في غزة، في بيان صحفي إن التعميم القضائي الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الذي تديره "حماس" بخصوص رفع دعوى الشقاق والنزاع من قبل الزوج "غير دستوري".

وذكر المركز أن "القانون الساري المفعول في قطاع غزة أعطى الرجل الحق المطلق لتطليق زوجته متى وكيفما شاء وهو ليس بحاجة لرفع دعوى للطلاق، وأما المرأة فقط لها الحق القانوني لرفع دعوى التفريق لأسباب محددة من ضمنها الشقاق والنزاع بالنظر كونها لا تملك الحق نفسه الممنوح للرجل".

وحذر المركز من أن التعميم المذكور "سيشجع الأزواج على الادعاء بأن المرأة هي التي تتحمل عبء الشقاق والنزاع للحصول على الطلاق عبر المحكمة دون دفع الحقوق المالية المتوجبة للمرأة نتيجة الطلاق".

ويعتبر المركز "صدور هذا التعميم اعتداء على حقوق المرأة المتضررة، لأن الغرض من إنصاف الرجل المتضرر في العلاقة الزوجية متحقق وفق القوانين السارية المفعول عبر تقدير لجنة تحكيم تحددها المحكمة لحجم الضرر الواقع على الرجل في دعوى الشقاق والنزاع التي ترفعها الزوجة".

وبموجب القرار فإنه في حال إثبات الدعوى القضائية بشروطها وفقا للقانون فإنه يتم الحكم لمصلحة الزوج بإتمام الطلاق مع إعفائه من أي التزامات مالية تجاه الزوجة مثل النفقة والمؤخر وأثاث البيت وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها في قطاع غزة.

وتقول مديرة مركز "الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة" في غزة زينب الغنيمي: ليس هناك قانون للخلع، والخلع المطبق في قطاع غزة هو خلع رضائي يأتي بالاتفاق بين الزوجين، مشيرة الى ان سبب عدم إصدار القانون هو أن المجلس التشريعي معطل.
وتشير الى أن النساء المعلقات في المحاكم كثر لكن اللاتي يطالبن بالخلع قلة بسبب أن الرجل لا يريد أن يدفع لها حقوقها وهذا يؤدي الى الاتفاق أن تتنازل المرأة على جميع حقوقها.

وتقول المحامية سعاد المشني التي تعمل في العيادة القانونية بالجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون: "يحق للمرأة التي وقع عليها الضرر من قبل زوجها أن تطالب بالخلع، لكن ليس هناك قانون للخلع في غزة ولم يتم تطبيقه حتى الآن داخل المحاكم".

وتضيف المشني: يوجد بديل للخلع وهو التفريق للضرر ومنها التفريق للضرر من الغياب، وترفع القضية للمحكمة بسبب تضرر الزوجة من غياب زوجها لأكثر من سنة، وأيضا تفريق النزاع والشقاق، وتفريق للهجر والتعليق، وتفريق لعدم الإنفاق، وتفريق للسجن، كل هذه القضايا تستطيع المرأة ان ترفعها أمام المحكمة الشرعية وعند حصولها على حكم التفريق وتصديقه من محكمة الاستئناف تحصل على طلاقها بحكم القاضي أو بحكم القانون، وتحتفظ المرأة بجميع حقوقها الشرعية الموجودة بعقد الزواج.

وتشير المشني إلى أن قانون الخلع الذي تم إقراره بالضفة لا يشمل جميع النساء المتزوجات بل "الغير مدخول بها"، وهذا غير منصف بحق المرأة لأنه فقط حالة واحدة ستستفيد من قانون الخلع، اضافة الى أن الحالات التي ستستفيد هي الحالات المقتدرة لأن هذا القانون يجبر المرأة على ارجاع المهر وأكثر، وللحالات غير المقتدرة ووضعها الاقتصادي ضعيف يكون البديل هو قانون التفريق.

وتقول: توجد قضايا كثيرة تم رفعها لطلب التفريق وحتى الآن لم يتم الحكم الا في قضيتين فقط.

وتضيف المشني: في حالة يأس المرأة وعدم تحملها الإجراءات الروتينية للمحاكم في قضايا التفريق يتم الاتفاق على تنازلها عن جميع حقوقها الشرعية والقانونية وتدفع رسوم الطلاق وهذا يسمى "طلاق مع الإبراء العام".

ويبقى قانون الخلع مثار جدل بين المواطنين والمؤسسات النسوية والمهتمين بالقضاء الشرعي.

* نقلا عن الحياة الجديدة
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد