فسحة للرأي

تعديل مبادرة السلام العربية وتصميم المبادرات على المقاس الاسرائيلي

المحامي زيد الأيوبي |
تعديل مبادرة السلام العربية وتصميم المبادرات على المقاس الاسرائيلي

 كتب المحامي زيد الأيوبي :  في العام 2002 أطلق العرب مبادرة السلام العربية والتي تمحورت حول انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي العربية المحتلة عام 1967 مقابل الاعتراف والتطبيع الكامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ، في محاولة  لرمي الكرة في الملعب الإسرائيلي للرد عل  المقترحات المقترحات العربية الجديدة  للسلام والتي لاقت إجماع رسمي عربي ودعم من بعض الدول الإقليمية والأوروبية وحتى أمريكا . 

جاء الرد الإسرائيلي على هذه المبادرة سريعا باجتياح مدن الضفة وتوسيع الاستيطان والسيطرة على العقارات  في القدس والاستيلاء على آلاف الدونمات في الضفة الغربية  وارتكاب المجازر في غزة وأكثر من ذلك أنها أقرت زمرة من القوانين والإجراءات العنصرية التي تستهدف ليست الفلسطينيين في الضفة  والقدس وإنما الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948 والتي تهدف  من خلاله الى ترحيل العرب واستئصال وجودهم التاريخي في فلسطين على طريق إقامة الدولة اليهودية الخالصة وأقرت لهذه الغاية أكثر القوانين عنصرية في تاريخ البشرية الا وهو قانون يهودية الدولة .
مع كل مجزرة وتصعيد إسرائيلي كانت الدول العربية تأكد على تمسكها  بالمبادرة العربية للسلام باعتبارها الحل السحري لإنهاء الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي إلا أن حكومة الاحتلال ورغم تأييد اغلب دول العالم لهذه المبادرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلا انها  لم تكلف نفسها عناء دراسة هذه المبادرة ومضت في طريقها لتكريس واقع استيطاني توسعي ينهي أي إمكانية لإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وإقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل .
اليوم وفي ظل التصعيد الاسرائيلي وتعطل المفاوضات والعملية السلمية والتحضير لمؤتمر دولي للسلام وفقا للمبادرة الفرنسية نسمع عن ان دولا عربية تسعى لتعديل المبادرة العربية للسلام على طريق إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال وقد قدم وفد عربي مقترحات التعديل للجانب الأمريكي والإسرائيلي عبر وسطاء دوليين مثل توني بلير وجون كيري وهم في انتظار الرد الإسرائيلي على الغزل والإغراء العربي الجديد.
ومن المتوقع ان تشمل المقترحات العربية الجديدة تعديل الحدود بما يضفي الشرعية والقبول على كبرى المستوطنات الاسرائيلية  والمس بحق العودة والحقوق الفلسطينية والعربية في القدس لغايات اقناع اسرائيل للعودة لطاولة المفاوضات وانهاء الصراع مقابل التطبيع والاعتراف الشامل بها.
تأتي هذه المقترحات لتعديل المبادرة العربية للسلام في ظل ازدياد نسبة التوسع الاستيطاني في القدس والضفة الغربية والتحضير لمؤتمر دولي للسلام وفقا للمبادرة الفرنسية وتصاعد حدة التوتر العربي مع ايران وحلفائها في المنطقة وأبرزهم حزب لله.
ولا اعتقد ان العرب أصحاب المقترحات الجديدة للتعديل قد تشاوروا مع الفلسطينيين او استشاروهم  ولم يبدي الفلسطينيين ايضا أي تحفظات او انتقادات على التعديل الموعود فعلى ما يبدوا ان الساسة الفلسطينيين اخر من يعلم بما يدور في المطبخ السياسي العربي وأول من يوافقون وهم لا يعرفون على ماذا يوافقون فيكفي ان يعرف عرب التعديل  والإدارة الأمريكية وصحفي مبتدئ في القناة العاشرة الاسرائيلية التفاصيل والغايات ونحن كعادتنا جاهزون للموافقة والترحيب والبصم بالعشرة.
ان اقتراحات التعديل على المبادرة العربية تعني فنيا موت المبادرة بمضامينها الأولى والتي تأسست على أساس انسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعديل لن يكون الا على هذين المضمونين فهل يقبل العرب بتعديل الحدود مع دولة الاحتلال بحيث تدخل كبرى المستوطنات في حدود كيان الاحتلال وهل حق العودة قيد الشطب جراء هذا التعديل ؟؟؟والسؤال هنا هل يحق للعرب ان يتنازلوا عن حقوق الفلسطينيين  في الأرض والعودة أو يعدلوا في هذه الحقوق ؟ ومن خولهم لان يقدموا تعديلات تحمل في ثناياها الخضوع والاستسلام وهل يرضى الفلسطينيون بهذا التعديل أو يرفضوه وهل قبول الفلسطينيين واو رفضهم يعني للعرب والأمريكان وإسرائيل شيئا ؟؟؟ في اعتقادي ان الفلسطينيين مغيبين  وغائبين حتى في أوج حضورهم.
نعم. يأتي إعلان العرب لتعديل مبادرتهم التي ولدت ميتة أصلا في ظل تصاعد النزاع العربي التاريخي مع إيران وفي ظل اتفاق أمريكي عالمي معها بشأن ملفها النووي وكأن الإعلان عن الاستعداد للتعديل يأتي في سياق تقديم رشوة سياسية من العرب لإسرائيل على حساب الفلسطينيين لان مصالحهم ضد إيران تتقاطع مع مصالح إسرائيل  سيما وان ايران  حيدت العالم والأمريكان من أي صراع مستقبلي وحسم ملفها النووي عالميا دون رضا إسرائيل والعرب .
أيضا يأتي الإعلان العربي عن التعديل بتزامن مع العمل  الحثيث  لإنجاح المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام والتي اصطدمت بالرفض الإسرائيلي لها منذ بدايتها بالإضافة لتراجع الدور الأمريكي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقد أعلنت الإدارة الأمريكية في أكثر من مناسبة على لسان قادتها عن شعورها بالإحباط من عملية السلام .
أمام كل هذه المعطيات اعتقد ان العرب وصلوا في استسلامهم ووهنهم الى السعي لتصميم مبادرة على مقاس إسرائيل وأهدافها وهم بذلك يبحثون عن ما يطيل في عمر عروشهم حتى ولو كان كبش الفداء المسجد الأقصى او حق العودة ، كما انهم بذلك يبحثون عن إرضاء الإسرائيلي لحساباتهم السياسية والاقتصادية الرخيصة وفي هذا المقام اقول ودون شك او وجل  او ظلم لاحد لم يتبقى لفلسطين سوى الله و اهلها المنقسمين بين غزة ستان وضفة ستان ، وبين الانقسام والضعف العربي ضاعت فلسطين.
في النهاية اقول لعرابي التعديل الجديد لا تضيعوا وقتكم ووقتنا في  مبادرات جديدة، فأهداف الاحتلال تقريبا تحققت على ارض الواقع وتعديلاتكم لن تعيد فلسطين ولن تلجم اسرائيل التي لا تشعر بالخوف من العرب أسياد المبادرات الاستسلامية والشعارات الرنانة والاستنكارات البائسة ، واسرائيل لا تحسب حساب للحكام الذين يسخرون كل امكانيات بلادهم البشرية واللوجستية لحماية كراسيهم ومناصبهم لتطويع وتدجين شعوبهم وليست للدفاع عن القدس ومقدسات العرب والمسلمين في فلسطين. 
وأقول ايضا لعرابي المبادرات السلمية أن أهل فلسطين يشعرون بخيبة الأمل منكم ومن دوركم الإنبطاحي ، فبدلا من مواجهة صلف إسرائيل وإجرامها الاحتلالي بحق فلسطين وشعبها ومقدراتها تتلاهثون خلف اسرائيل لارضاءها حتى وان بلغت في فاشيتها مرحلة الليبرمانية ،وأهل فلسطين لا ينتظرون منكم الدفاع والمدد لاننا ونظرا لواقعكم وسياساتكم الانهزامية وصلنا إلى قناعة ثابتة مفادها ( ما بيحرث الأرض الا عجولها)وشرف الدفاع عن فلسطين لن يناط بكم وانما بأطفالها وحرائرها وشبابها الثابتين على بوابات الأقصى الشريف لذا كفاكم اجترارا لانبطاحاتكم وكفاكم سعيا لتفصيل المبادرات الاستسلامية على المقاس الإسرائيلي.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد