كتب - ماجد عزام *: أثارت المصالحة التركية الإسرائيلية،والاتفاق على تبادل السفراء واستئناف الاتصالات السياسية والأمنية بين البلدين ردود أفعال وسجالات خاصة في السياق أو البعد الفلسطيني لها.
للتذكير، فقد تضمن الاتفاق المطلبين التركيين بالاعتذار، التعويض مع حل وسط فيما يتعلق برفع الحصار عن غزة. يتضمن إيصال تركيا لمساعداتها لغزة عن طريق ميناء أشدود مع حل مشاكل القطاع المزمنة الكهرباء والمياه البنى التحتية المنهارة بعد حرب بل ثلاث حروب مدمرة.
بداية،وقبل التقييم أو قراءة المصالحة في بعدها الفلسطيني لابد من لفت الانتباه أن تركيا تعترف بإسرائيل، ما زالت السفارات مفتوحة بينهما، وأنه رغم القطيعة أو خفض مستوى التمثيل،إلاأن التبادل الاقتصادي لم يتأثر، بل زاد أو ارتفع ولو بشكل طفيف، كونه مدار بالكامل من قبل القطاع الخاص في دولتيين تتبعان نموذج الاقتصاد الحر.
لابد من الانتباه أيضاًإلى أن تركيا، ومن ستّ سنوات تقريباً لم تتحدث عن أنها في حالة عداء مع إسرائيل. وقالت أنها مستعدة دائماً لرفع مستوى العلاقات الرسمية-تبادل السفراء- في حالة تنفيذ إسرائيل لشروطها الثلاث: الاعتذار، والتعويض، ورفع الحصار. وأن المماطلة كانت تأتي من السلطة الإسرائيلية التي لم تمتلك الشجاعة أو الإرادة للمضي قدماً في عملية المصالحة، رغم التوصيات من الأجهزة الأمنية بضرورة طي صفحة الخلاف لحاجة الماسة إلى تركيا كدولة كبرى في المنطقة.
ثمة ثلاثة أساب رئيسية دفعت نتن ياهو للتخلي عن سياسة التردد والمماطلة،وهيالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي توجته كزعيم لليمين-حتى مع ائتلاف هش- دون نزاع أو خلاف على السياسة الخارجية. ومن هنا فإن أول لقاء جدّي بعد فترة انقطاع حصل فيأيار/مايو من العام الماضي بعد تشكيل الحكومة مباشرة ومع تسليم الملف إلى صديقه دوري غولدمدير عام وزارة الخارجية التي يتولاها نتن ياهو شخصياً.
السبب الثاني ملف الغاز وخطة الغاز الحكومية التي قاتل نتن ياهو لتمريرها والحاجة إلى أسواق كبرى ومستقرة، وذات جدوى،وفيالإقليم كلها لا سوق كالسوق التركية المتطلبة المستقرة والواعدة، والأهم أن لا أمل لإسرائيل لإيصال وتصدير غازها إلى أوروباإلا من خلاله.
السبب الثالث: يتمثل بالتغييرات الإقليمية في سورية، تحديداً عودة الاتصالات تزامنت مع تقدم جيش الفتح العام الماضي قبل الاحتلال الروسي، ثم هذا الاحتلال الذي دفع إسرائيل للتوقف بعض الشيء، ومع الاطمئنان إلى التفاهم الوثيق مع موسكو اعتقدت تل أبيبأن الأولى غير قادرة وحدها على تحديد مستقبلسورية،وأن أنقرة لاعب مهم أيضاً لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة مع تآكل مكانة نظام السيسي في مصر استنزافه في مشاكله الداخلية وصعوبة التعاطي معه لمواجهة الأزمات والتحولات العاصفة في المنطقة.
من الجانب التركيأيضاً ثمة ثلاثة أسباب رئيسية للمصالحة مع إسرائيل،الانكفاء الأمريكي،الاتفاق النووي الإيراني الذي بدا كأنه تفاهم غير معلن أو قبول ضمني من واشنطن لهيمنة طهران على المنطقة طالما أنها تلتزم أو حتى تقاتل العرب في عواصمهم ضمن الخطوط الحمر المرسومة أمريكياً.
السبب الثاني: الأزمة أو القطيعة مع روسيا التي خذل الناتو والغرب عموماًأنقرة فيها، على عكس ما فعل فيأوكرانيا، وسواء أحببنا ذلك أو لا، فإن إسرائيل تبدو دولة قوية ومستقرة مع الانهيار التام للدول العربية الكبرى، كما سعي تركيا إلى الاستعاضة أو تخفيف الاعتماد على الغاز الروسي عبر استيراد الغاز الإسرائيلي.كما منع قيام تحالف استراتيجي ثلاثي ضدها مع اليونان وقبرص،يستند أساساًإلى قطاع أو ملف الغاز إقليمياً ودولياً،ويسمح لها بالتفرغ لمواجهة الإرهاب والكيان الكردي، وكفّ يد تل أبيب عن العبث في هذه الملفات.
السبب الثالث: تعثر مسيرةالثورات والتحول الديموقراطي في العالم العربي، وهي المسيرة التي راهنت عليها تركيا من أجل علاقة تركية عربية راسخة وقوية على كل المستويات، التعثر الأهم حصل في القاهرة طبعاً وأدّى إلى تغيير وجه المنطقة، وشيوع تمدد الثورات المضادة إلى المنطقة كلها. وببساطة مصر الثورة مصر الديموقراطية الاستقرار والسلم الأهليكانت خير حليف لتركيا، وما كانت لتدفعهاإلى التقرّب أو تقديم التنازلات في ملف الغاز أو غزة أو غيرها من الملفات الاستراتيجية في المنطقة.
بناء على ما سبق توافرت الإرادة لدى الطرفين للمضي قدماً في عملية المصالحة بينهما، وبات عليهما مواجهة معضلة أو شرط تركيا برفع الحصار عن غزة.
وهنا أيضاً تم التوصل إلى حل وسط مع الانتباه إلى أنه مع تقدم الحوارات والمفاوضات من شهور التقى الرئيس أردوغان رئيس المكتب السياسي لحماس-نهاية العام الماضي - الذي قدم له ثلاث طلبات أساسية حل مشكلة الكهرباء، حل مشكلة المياه وتسريع إعادة إعمار البنى التحتية المنهارة، وخط بحري لوصل قطاع غزة بالخارج وحرية حركة المواطنين، والبضاعة منه وإليه عبر هذا الخط.
وفعلاًأـصرت تركيا على حل مشكلة الكهرباء عبر سفينة، ثم محطة توليد تركية ألمانية ومشكلة المياه عبر محطة للتحلية تركية بالكامل، وإصلاح شبكات الكهرباء والمياه والبنى التحتية المنهارة والمساهمة فيإعادة الإعمار، وقيادة مشاريع سكنية كبرى كما بناء مستشفى ضخم لتلبية حاجات القطاع.
أمام الرفض الإسرائيليالقاطع لقصة الخط البحري والتمسك بالحصار، المدعوم بشكل أو بآخر من قيادة السلطة، كما من مصر بدا، وأن تركيا قبلت برفع الحصار في شقه الإنساني، والقبول أو الاقتناع بصعوبة أو استحالة رفعه بشقه السياسي، بمعزل عن إنهاء الانقسام أو المصالحة الفلسطينية وموقف مصري مختلف.
كان لافتاً طبعا اإصرار أنقرة على تضمين إتفاق المصالحة بند يتعلق باستئناف العمل فى المنطقة الصناعية التركية فى مدينة جنين شمال الضفة الغربية المنطقة التى ستوفر 6000 فرصة عمل ستكون مهمة للاقتصاد الفلسطينى فى الضفة كما لنفى اى اتهام او فرية عن دعم تركيا الانقسام او لطرف ضد طرف او فكرة ادامة وتأبيد الفصل بين الضفة الغربية وغزة .
الحضور التركي سيكون إنسانياً – طبعاً لا يمكن إلغاء الطابع السياسي عن هذا الحضور- سيكون جهد تركي كبير ومتواصل لتحسين أوضاع الشعب الفلسطينى فى الضفة وغزة على حد سواء .
غير ان موطىء القدمالانسانى لتركيا قد يكون مهم جدا لعدة أسباب ،منها انه سيجعل أنقرة فى وضعيسمح بلعبدور سياسى مستقبلا إن فى السياق القلسطينى الداخلى ،أى فيما يتعلق بالمصالحةبين فتحوحماس ،أو فى السياق الفلسطينى الاسرائليى الواسع،عملية التسوية والمفاوضات وفى الحد الأدنى الحوار بين السلطة الفلسطينيةواسرائيللضمان عدم ذهاب الأوضاع نحو الاسوأ ،وربما حتى المساعدة فى صفقة جديدة محتملة لتبادل الأسرى بين حماس واسرائيل .
موطىء القدم الانسانى التركى يتضمنتقديم أنقرة مساعداتمتواصلةللقطاع،عبر خط مرسين أسدودغزةإنتظام هذا الخط وبالتالى إنتظام تدفق المساعدات لغزة ،سيسمح بتحسن جدى فى الاوضاغ الانسانية طالما ان العملية السياسية بشقيهامتوقفة ،وربما حتى جعل الحصار البحرى الاسرائيلى نفسه غير ذا صلة ولا فائدة أو جدوى منه .
المشروعات المتعددة والكبرى التى ستسشرف تركيا على تنقيذها ،ستخلق بالضرورة نهضة او طفرة فى الوضع الاقتصادى الاجتماعى فىغزة التى يعيش اربعة اخماس سكانها على. المساعدات الخارجية ،المشروعات التى ستستمر لسنوات وتكلف مليارات الدولارات ،ستخفضبالتاكيد من نسب الفقر والبطالة العالية وتؤدى الى تحسن جدى فى الحالة الاقتصادية الاجتماعية المنهارة فى القطاع.
دوران عجلة المشروعات الكبرى وفى السياق طبعا عجلة اعادة لاعمار ،سيبعد بالتاكيد شبح اى حرباخرى مدمرة عن القطاع ،وبالتاكيدفان خطط تكلف مليارات وتساهم فى اخراج القطاع من ازمتهبل ازماته ستخلق وضع يصبح فيه التصعيد العسكرىاحتمال بعيد وبعيد جدا، خاصة اذا ما تذكرنا ان ثلاث حروب مدمرة لم تؤدى الى تغيير جدى فى موازين القوى او حتى تغيرات استراتيجية فيما يتعلق بالصراع فى فلسطين ككل .
الدور التركى بشقه الاقتصادىالإغاثى سيشجع دول اخرى على لعب دور مماثل او على الاقل التفكير فى ايصال المساعدات من خلال تركيا ان للرغبة فى مساعدة الشعب الفلسطينى وتحسين اوضاعه الماساوية،او لضمان الا يخرج الوضع فى غزة عن السيطرة ويؤدى الى انفجار اقليمى واسع لا يريده ولا يسعى اليه احد اصلا .
سياسيا سيؤدى الدور التركى فى شقه الانساني الاغاثى،الى. تهدئةالاوضاع فى غزة ،وربما خلقظروف افضل امامالفلسطينيين وتحديدا فتح وحماس للعمل بجدية اكثر من اجل انهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات المصالحة ،والاقتناع ان لا حسمسياسى او عسكرى قريب وان ثمة فسحة زمنية سانحة لترتيب البيت الوطنى والتوافق على كيفية ادارة الصراع مع اسرائيل بعيدا عن الحرب التقليدية او التصعيد العسكرى الواسع وبالتاكيدبعيدا عن عملية التسوية كما رايناها منذ اوسلو حتى الان والتى دخلت فعليا فى حالة موت سريرىمنذ شهور بل سنوات طويلة.