فسحة للرأي

فلسطين … تأجيل مسيس للإنتخابات البلدية

ماجد عزام |
فلسطين … تأجيل  مسيس للإنتخابات البلدية

 كتب - ماجد عزام:  جاء قرار تأجيل الانتخابات البلدية صادماً، ولكن غير مفاجىء قياساً للتطورات والمستجدات السياسية والانتخابية في الأسبوعين الماضيين. ولا شك أن ثمة أسباب عديدة لهذا القرار القضائي المسيّس، إلا أن العبرة أو الاستخلاص الأساس، هي أن النخبة السياسية، تحديداً قيادة السلطة الحالية لا تملك الإرادة اللازمة والمطلوبة حتى لإلقاء حجر صغير في المياه  المؤسساتية الفلسطينية الراكدة.

مثلت منظمة التحرير إستنساخ فلسطيني ملطف لمنظومة الاستبداد العربية التي حكمت في حقبة ما بعد الاستقلال خاصة فى الحواضر الكبرى الثلاث القاهرة دمشق وبغداد . أما السلطة فكانت استنساخ أكثر فظاظة وفجاجة لمنظومة الاستبداد تلك، التي أسقطتها الثورات العربية فيما بعد. ومن هنا فإن الحديث عن قضاء فلسطينى مستقل هو كذبة كبرى أو مزحة سمجة في أحسن الأحوال في منظومات الاستبداد، جمهوريات وسلطات الموز، ما من شيء مستقل أو يتحرك بعيداً عن إرادة ومشيئة الحاكم الذي يملك بيديه كل المفاتيح، ويتحكم بكل السلطات والمؤسسات.
بناء على ما سبق فان قرار تأجيل الانتخابات مسيس بامتياز ويعود برأيى لعدّة أسباب سياسية وحزبية  أدت مجتمعة إلى الهرب من الاستحقاق البلدى بعدما كانت حركة .الجهاد  الاسلامى أول الهاربين فى الحقيقة من  ساحة المنافسة الإنتخابية -. 
القرار القضائي المسيّس لمحكمة العدل العليا، أكد التكهنات التي اعتبرت أن قرار إجراء الانتخابات اتخذ بناء على  فرضية أن حماس لن تدخل الانتخابات، وسترتكب نفس خطأ  المقاطعة الذي ارتكبته منذ أربع سنوات، وأن فتح ستنافس نفسها في النهاية، وطبعاً تحت مظلة الرئيس القائد الحاكم بأمره.
قرار حماس المفاجىء أربك قادة السلطة في البداية، إلا أن ثمة فكرة أو قناعة سادت بينهم مفادها أن بالإمكان الانتصار في الانتخابات تحديداً في الضفة الغربية في ظل القبضة الأمنية القوية مع فرصة جدية لتحقيق نتائج لافتة، وحتى الانتصار لو نسبيا في قطاع غزة أيضاً.
إلا أن الانقسام الفتحاوي كان أعمق مما تصور قادة السلطة، ورغم الفوز بالتزكية في نصف المجالس البلدية في الضفة الغربية الا انها معظمها ريفية غير حضرية أو مدينية صغرى،  بينما بقيت المعركة مستعرة في البلديات الكبرى، مع تنافس فتحاوي فتحاوي في الخليل طولكرم واريحا ، و قوائم لشخصيات فتحاوية معتبرة في مواجهة قائمة الحركة الرسمية - ما عنى فوز  القوائم المستقلة او تلك المدعومة من حماس ما يعنى  هزيمة  مؤكدة للقائمة  الفتحاوية الرسمية - وخشية من هزيمة محتملة في مدينة نابلس كبرى مدن الضفة بعد جريمة تصفية أبو العبد حلاوة بدم بارد، وحالة الغليان التي تعيشها  قزاعد الحركة في المدينة. ناهيك عن الاعتراضات على القائمة التي شكلتها الحركة، ومن يدير الشأن الفتحاوي في جبل النار بشكل عام.
ومع استغلال حماس للثغرة القانونية والتنظيمية التى اعطت الفصل فى الشأن الإنتخابى للمحاكم الابتدائية المحلية للتخلص من قوائم فتح في معاقلها الأساسية، خان يونس وعبسان، باتت الصورة واضحة فتح لن تحقق الانتصار، وستكون هزيمة وربما مدوية  ايضاًخاصة في البلديات الكبرى الثلاث الخليل نابلس وغزة.
ثمة  سبب أساسي جوهري آخر ساهم في قرار تأجيل الانتخابات، وعملياً إلغائها. ويتمثل بالتدخل  والضغوط المصرية الأردنية لإعادة القيادي السابق المفصول محمد دحلان لحركة فتح ودفعه ليس فقط في لمواجهة حماس فى لانتخابات البلدية، ً لمنعها من الانتصار، وإنما حتى لقيادة الشعب الفلسطيني فيما بعد الدخول الأردني القوي إلى حانب مصر، جاء تحت  ضغط الإخوانو فوبيا والخشية من فوز محتمل لحماس يؤثر معنوياً سياسياً وإعلامياً على نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية نفسها،  اما مصرياً واماراتياً فقد جرى التركيز  دائما على فكرة قتال الاسلام السياسي، إقصاء حركاته وأحزابه من المشهد السياسي والحزبي في المنطقة، واعتبار دحلان بالتالى  الذراع أو الإداة المناسبة لذلك في فلسطين وقد مثلت الانتخابات البلدية فرصة مناسبة لتصعيد الضغوط وتسريع وتيرة التدخل لإعادة دحلان ورجاله لحركة فتح تحت لافتة ترتيب صفوفها وتوحيدها. والان يفترض ان يخفف قرار التأجيل تلك الضغوط، وقد يفرغها  حتى من محتواها ويجعلها غير ذات جدوى.
طبعا يجرى الحديث كذلك عن ضغوط خارجية من الاتحاد الأوروبي، وكذلك منظمات مجتمع مدني دولية وتهديدات  بعدم تمويل أي مجالس بلدية يفوز بها مقربون أو مدعومون من حماس خاصة بعد الحملة الإسرائيلية المركزة ضد المنظمات الدولية بحجة دعمها للحركة الاسلامية بغزة، ما ضاعف الضغوط السياسية والاعلامية على تلك المنظمات وجعلها اكثر تردداً وحذراً فى التعاطى مع الحركة او المستقلين المقربين منها
خطأ أو أخطاء حماس ساهمت بالتأكيد في القرار القضائي المسيّس، فليس من المعقول أن تقدم الحركة اعتراضات على كل قوائم حركة فتح في قطاع غزة - لشطبها قضائياً  فيما بعد حسب الحاجات السياسية والحزبية الانتخابية من  قبل المحاكم الابتدائية المختصة التابعة لها - ورغم أن لجنة الانتخابات المركزية شطبت اصلاً خمس قوائم لفتح ، إلا أن القضاء المسيّس في غزة شطب خمس أخرى في خان يونس وعبسان ما نال من المنافسة الانتخابية بشكل جدي، في غزة  حيث تم شطب ثلث قوائم فتح تقريباً، مع اعتبار أحكام المحاكم الابتدائية المحلية قطعية ونهائية، وهو ما مثل ثغرة كبرى في القانون المنظم لعمل لجنة الانتخابات.
مع ذلك فإن تصرفات وأخطاء حماس كانت عامل هامشي فرعي وليس أساسي وجوهري  كون الانتخابات كانت ستؤجل أو تلغي في كل الأحوال خاصة بعدما اتضح لقيادة فتح أن الحركة المترهلة والهرمة والمنقسمة، عاجزة عن النهوض أو ترتيب صفوفها وتوحيدها حتى مع الضغوط العربية المستجدة.
  أكدت مجريات العملية الانتخابية البلدية منذ حزيران حتى أيلول ،  كذلك ومرة أخرى غياب تيار ثالث فى مواجهة الحركتين المتنافستين فتح وحماس أو حتى المتنافسين داخل فتح نفسها ، وعجز فصائل اليسار-والجهاد الاسلامى طبعاً- عن فرض التحدى على الحركتين  أو خلق حالة شعبية وجماهيرية متماسكة ، تنتج ضغط سياسى واعلامى جدى يحول دون الهرب من الاستحقاق البلدى وتفرض المضى فى العملية  الانتخابية حتى النهاية.
عموماً أظهر القرار القضائى المسيس بتأجيل الانتخابات البلدية ،  مدى بؤس وعجز القيادة الحالية، ورغم مواجهتها المحقة للضغوط العربية - العائدة لأسباب شخصية فئوية ضيقة – إلا أنها لا تمتلك الإرادة الصادقة لترتيب جدي ديموقراطي شفاف ونزيه للبيت الفلسطينى، لا حزبياً ولا وطنياً والأخطر والأكثر إيلاماً أن القرار أظهر مدى تغلغل وتعمق الانقسام وصعوبة، وربما استحالة التخلص منه و إنهائه أقله في المدى المنظور، علماً أن الانتخابات البلدية، وفي أحسن الأحوال لم تكن سوى حجر صغير في البركة السياسية والمؤسساتية الراكدة على أمل أن تخلق سيرورة لاحقة تؤدي إلى تسريع وتيرة المصالحة والذهاب إلى الحزمة الانتخابية الكاملة ضمن تصور وطني أو استراتيجي شامل لادارة الصراع مع الاحتلال ما اتضح أنه ليس سوى سراب، وأن الانقسام للأسف باق ويتمدد حزبياً سياسياً وجغرافياً ايضاً.

* كاتب فلسطيني

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد