تقارير وتحقيقات

الاعتداء الجنسي على الأطفال الذكور في غزة.. الجريمة المسكوت عنها

|
الاعتداء الجنسي على الأطفال الذكور في غزة.. الجريمة المسكوت عنها صورة تعبيرية من الارشيف

 اخباريات - غزة/ هدى بارود:  لم يكن من السهل على عبد الله (ع) الذي بدأ حديثا باستعادة قدرته على الكلام أن يشرحَ ما حدثَ معه أثناء مغادرته لحفلة زفاف جاره ليلا، فكانَ يسكت كثيرا ناظرا إلى والدته بحزن كأنما يخبرها أن تواصلَ الكلام عنه.

الطفل ذو العينين البنيتين الصغيرتين والوجه الأبيض الممتلئ كانَ يجلس ملتصقا بوالدته التي وجدها خير عونٍ له على تخطي أزمته، فسنوات عمره التسعة لم تؤهله بعد لتجاوز حادثة اغتصابه من مجهول ليلة الرابع والعشرين من فبراير لعام 2016.
قالت الوالدة التي ترتدي نقابا جعلنا نُركز على عينيها الباكيتين كثيرا :" ذهبَ عبد الله ليحضُر حفلَ زفاف جارنا الذي يبعد عن منزلنا مائتي متر تقريبا، ولما عاد كانَ يرتجف خوفا ويمسك بنطاله في يده، وفي قدمة فردة واحدة من الحذاء".
الوالدة التي لم تدرك ما حدثَ مع ابنها فورا، شدت على يده بقوة وهي تتابع :"ظننت أنه دخلَ في شجار مع أبناء الحي على غير عادته، ولما وبخته لم يحرك ساكنا، بقي يرتجف ويبكي فقط، حتى لاحظَت شقيقته أنه يغرق في دمه".
تسارعت نبرة الأم واحتدت وهي تخبرنا ما اكتشفته بالتدريج في جسد طفلها الصغير بعد الاعتداء عليه، وكيف لم تتمالك أعصابها وهي تحمله دونَ أن تلاحظ أنها لم تُلبسه ملابسه بعد إلى المستوصف الحكومي القريب من منزلهم ركضا.
وقالت :"لما رآه الطبيب أكدَ لي ان طفلي تعرضَ لاعتداء جنسي، فصرتُ أبكي بحرقة قطعها جمود طفلي عن الحركة وفقدانه للوعي".
الطفل الصغير قصير القامة مقارنة بمن هم في مثل سنه، أخبرنا أنه يحب الرسم غير ان ما يرسمه بعدَ تعرضه للاغتصاب كان دوائرا سوداء فقط، وصارَ قليل الكلام كثير الخوف من أي صوتٍ غريب يدخل منزل عائلته.
كانَ قرار والد عبد الله أن يَكتمَ الأمر طالما لم يتعرف طفله على الجاني، خوفا من الفضيحة، وبحثا الاثنين–والده ووالدته-عن طبيبٍ نفسي من العائلة ليساعداه على تجاوز الأزمة، فأبناء العائلة الواحدة يدارون على مصائبهم، وفقَ رأيهما.
قالت الأم :" خشينا أن يوسمَ طفلنا بهذا الحادث، ويُطلقَ رفاقه في المدرسة على الأقل عليه ألفاظا نابية، لذا أوقفناه عن الدراسة بحجة اصابته بمرض الجدري، وبدئنا في علاجه نفسيا عند طبيبة تربطها صلة قرابة بزوجي".
عبد الله كانَ الحالة الأحدث التي أجرينا معها لقاء صحفي، فقد سبقه عشرات الحالات التي تعرضت للاعتداءات الجنسية خلال أربع سنواتٍ متواصلةمن2012 وحتى عام 2016 زاد من صعوبة توثيقها رفض الأهالي إجراء لقاءات صحافية إذ بإمكانهم إخفاء الجريمة التي لا يؤثر فيها الاعتداء على عذرية الأطفال الذكور كما يفعل مع الفتيات.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، اندلعت حربين جعلتا عددا من المختصين حكوميا بحماية الطفل يعتبرون أن ما يمر به القطاع من حروبأهم بكثير من الاعتداءات التي وصفوهابالحوادثٍ الفردية حتى لو كانت تنتهك فيها حرمة أطفالٍ صغار، متحججين بأن الطفل الذكر لا يعيبه التحرش أو الاغتصاب فهو لا يملك غشاءَ بكارة يفضحُ سره إن تزوجَ عندما يكبر.
مدير عام الرعاية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية اعتماد الطرشاوي رفضت الحديث عن الأمر قطعا، وقالت حرفيا :" هناك أحداث يجب أن يتناولها الإعلام هي أكثر تأثيرا على المجتمع من قضايا فردية، وأي حديث عن ضحايا هذه الجرائم يعني فضيحة لهم ولعائلاتهم ونحن مجتمع محافظ".
كحالها، رفضت عدد من عائلات الضحايا الحديث عن الأمر بحجة أن النسيان هو الحل الوحيد لجريمة كهذه، أو لأن الجاني أحد أفراد الأسرة، فربُ واحدةٍ من تلك العائلات أغلقَ سماعة الهاتف في وجهنا بعدَ أن توعدَنا وابنيه اللذين تحدثا معنا بأمر الاعتداء الجنسي عليهما بالمحاسبة.

صورة تعبيرية من الارشيف

فبعدَ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة عام 2014، اُرتكبت جرائم اغتصاب وتحرش في مراكز الإيواء التي لجأ إليها الفارين من الموت بالقنابل الإسرائيلية، وأثناء بحثنا عن تفاصيل صحيحة، عثرنا على الطفلين(ك.و) و(م.و) اللذان كانا يقطنان مع والدهما على الحدود الشرقية بينَ قطاع غزة والأراضي المحتلة.
يملك الصغيرين عينين عسليتين ناعستين، وشعرهما أصفر تقريبا، ووجهيهما شاحبين، يمكنكَ معرفة أنهما شقيقين من النظرة الأولى، بقليلٍ من التردد قالَ( ك.و) الذي يبلغ الحادية عشر من العمر إن والده اعتاد الاعتداء عليه هو وشقيقه الصغير ذو العشرةِ أعوام، منذُ طُلقت والدتهما في أواخر عام 2013، وأن عائلة والده تخلت عنهما بعدَ أن أخبرهم ما يحدث.
استغلَ الطفلين هجرة العائلات عن الحدود الشرقية لقطاع غزة  بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي على منازل المواطنين وهربا من منزلهما، واستجارا بعائلةٍ لا يعرفونها في احد مراكز الإيواء خشية من عثور والدهما عليهما.
وجدَ الصغيرين فرصتهما للنجاة من الموت بالموت، فاحتمال موتهما تحتَ وابلٍ من القنابل والرصاص الثقيل كانَ أهون عليهما من البقاء تحتَ رحمة أبٍ ينتهك جسديهما وقتما يشاء دونَ أن يملكا القدرة على صده.
لا تتوقف آثار الاعتداء الجسدي على الجروح والخدوش التي تصيب المعتدى عليهم من الأطفال، فأحيانا ما يتسبب الاعتداء بجروح تحتاج لتدخل جراحي، وفق دكتور المسالك البولية أيمن السحباني، إذ أكدَ أنه يمكن علاج آثار الاعتداء على الأطفال الذكور بالمراهم، وفي بعض الأحيان يتم علاج الآثار جراحيا.
في جميع الأحوال لا يؤثر الاعتداء الجنسي على الأطفال الذكور على خصوبتهم مثلا، ولا يمكن أن يعرفَ أحداً بالأمر إن كتمت العائلة السر، وتُمارس على الأطفال ضغوطا نفسية كبيرة لتقبل الأمر والتجاوز عنه دونَ تقديم شكاوى في مراكز الشرطة، أو محاسبة الجناة.
الشاب (س.ح) 26 عاما، ضحية اعتداء جنسي متكرر من جاره الأربعيني عندما كان يبلغ من العمر سبع سنوات، ولا يزال يعاني جراء معايرة جيرانه وأقاربه له بعدَ اكتشاف الأمر صدفة من قبل والده.
كانَ الشاب يرتدي بنطالا بُني اللون من القماش، وقميصا ذو أكمامٍ طويلة، ويملك تسريحة شعر كالفتية الصغار على اتجاهٍ واحد.
تلعثم الشاب أكثر من مرة وهو يتابع سردَ ما حدث معه، وتحمرُ عينيه غضبا كلما تذكر أن عائلته تنازلت عن حقه. وعن تفاصيل ما حدَث معه، قال :" كان ذلك الرجل يهددني دائما بأنه سيخبر الجميع بالأمر، ولما لاحظَ والدي خوفي عندما ينادي عليَّ المعتدي بحجة مساعدته، راقبني واكتشفَ الأمر، وجاءَ أهل الجاني لطلب الصفح من والدي، وانتهى الموضوع للأسف بتنازل أهلي، إلا أن ذلك لم يمنع من أن أُعاير بالأمر في المدرسة والحارة، فعراك والدي مع ذلك المجرم كشفَ ما كنت أخشى من اكتشافه".
الناطق باسم الشرطة في غزة أيمن البطنيجي أكد أنهم يتلقون بلاغات تفيد باعتداءات جنسية أو تحرشات على الأطفال الذكور، وفي حال تم اكتشاف جريمة كهذه فإن أهل الجاني يسارعون إلى الحلول العشائرية، ويَقبل أهل المجني عليهم من الأطفال خشية الفضيحة. إلا أن بعض الحالات توجه فيها أهل المجني عليهم للنيابة وتأخذ قضاياهم مجراها الطبيعي في المحاكم الفلسطينية وفقَ قانون العقوبات الفلسطيني.
وينص قانون العقوبات الفلسطينية الذي يحمل رقم (74) لعام 1936 على أنه :" من واقع ولداً دون الستة عشر من العمر مواقعة غير مشروعة أو لاط به يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس مدة أربع عشر سنة". 
ونشرَ المركز الفلسطيني للديموقراطية وحل النزاعات في منتصف ديسمبر لعام 2015 احصائية تفيد بتعرض 700 طفل من قطاع غزة للتحرش الجنسي خلال عامي 2014 و2015، وكانَ 1017 طفل قد تعرضوا للتحرش وأن بعض الحالات وصلت إلى حد الاغتصاب، وفقَ الاحصائية التي عرضها المركز في ختام مشروعه لتحسين بيئة الحماية للأطفال من التحرش الجنسي".
ورصدت الاحصائية ارتفاع نسبة التحرش بالأطفال الذكور مقارنة بأقرانهم من الإناث مرجحة أن سبب ذلك هو الحرية التي تمنح للطفل الذكر أكثر من الأنثى، وأكدت الاحصائية أن التحرش يزداد في صفوف الأطفال من عمر سبع سنوات وحتى اثني عشر سنة، فيما تقل في المراحل العمرية الأصغر من أربعة إلى ستة سنوات.
وأفاد مدير المركز سعيد المقادمة أثناء عرض نتائج المشروع أن 27 حالة فقط هي التي قُدمت للقضاء، فيما تم التغاضي عن باقي القضايا التي تصل إلى نحو ألف قضية خشية من الفضيحة التي يمكن أن تطال الأطفال المجني عليهم وعائلاتهم.
يُعد الحديث الصريح عن الاعتداءات الجنسية على الأطفال من الخطوط الحمر التي يخشى المجتمع في غزة من تجاوزها، وإن كانت قضايا مناصرة الفتيات اللواتي يتعرضن للاغتصاب بدأ يُسمع صداها نتيجة الكثير من التحركات التي نادت بحماية المرأة، بقيت قضايا الاعتداء الجنسي على الذكور تراوح مكانها المظلم.
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد