سناء زكارنة ترثي والدها: اعتدت ان أرثي من يفارق اوقاتي...فأُفرد لهم صفحات من ذاكرتي تمجّدوا فيها وكانت لهم آثارٌ لا تزول... فجاء وقت الرثاء لذاتي ...حين امتشّقت روحي ألم الفراق ... صمت ...وطال صمتي ...وازداد هذياني وتمخّض حبر قلمي عن حروف; لا تنزف الا ألما لا تُفهم معانيه ...ولو اجتمع فلاسفة اللغة لهُزموا دون قتال ... أحاول ان أجبر ذاتي عن استحضار مفردات أحي فيها شريط أيامي الماضي ...فترفض تلك المفردات وتعلن الرفض دون الحضور ; لزعمها ان حبر ما ستكتب به سيولد حرارة بين السماء والأرض... ويكن قرارها في جوف الأرض أجراس! تائهة أنا ...ومن أين أبدأ نزيف البعد والاشتياق...حائرة أنا ...وكيف لي ان أرثي؟؟!!! وهل لميت ان يرثي مماتا؟...وما بين موت القبور وموت الأحياء حياة!
سيدي...قد ترحل روحك عنّي، ولكنك حر بين الأموات سيدي... روحي ما زالت تحيا حياة; ما هي الا أسرٌ بين الأحياء، تستوقفني روحي; لترتل آيات الفقد في عز الاحتياج... وتنتظر روحاً رحلت دون وداع! وحضن لم يعد يشتهي إلا الاقتراب. سيدي ...حاور روحي للحظة, واجمعها مع اغتراب روحك في لقاء, واسعف لحن دمعي وعوّده على الخجل في حضور الآباء! سيدي ...كيف لي ان استقبل أيامي وأحضر شغاف حبّي دون رضاك؟ حدّثني... وأسمعني صوتك ولو كنت في حضور الملائكة اشهاد... قل لي... من سيكون سندا لي وكتف أتكئ عليه اذا حل الشقاق؟ حدثني ياسيدي... من سيتلقاني وأنا في أوج عفويتي وأطرق الباب لأنشد همس شفاك؟ من سيجالسني ليلا ويحدثني عن ذكريات العراق وألم اليتم والجوع ولقاء كان يجمعك في عرفات؟ من سيشاطرني السياسة وأوجاع الظلم والفساد ؟ من سيقول لي كنت زمن السادات في مصر وزمن صدام في العراق؟ كيف كنت تنشد لحن تنظيم الفتح أيام الجهاد... وتشرح لي دهاليز الصحف السرية وتنظيم العرفاتي في الخليج والمخيمات... كنت أناظر عليك... بمقام وأتودد إليك كيف تترك المنصب وأنت في الشتات كنت مقداما... حدثتني... وهمست في أذني.. تركت لكم جيل الشباب أيقونة العزف للأوطان! كيف لي أن أنسى حديثك ومنطق فكرك ورجاحة تفكيرك حتى في عز الأزمات؟
كيف لي ان انسى عالمي الذي رافقته منذ نعومة الاظفار
كيف استوطنت داخل بيت كبير واطفال صغار وفي حضورك الكل. بشر دون لسان
كيف علمتني نظم القوافي والقاء الشعر في عظمة الاحساس
كيف لي ان اتناسى حضورك حول مائدتي الصغير لتحفر الحروف في الاذهان
وكيف ارتجف بين يديك ولاتسعفني دموعي بالعفو من العقاب
كنت احارب ذاتي حين تشدّ علي في الاخطاء بين الناس
واعلل الخطأ ولكنك كنت تملك ميزان للحق لا يُضام
لم اكن اخشى سيدي حينما احتار وانما لا ادرك نفسي الا بين يديك لاشكو لك هماً وانت صديق العوز والحل في محياك
حدثني من سيطرق بابي إذا أقبل رمضان وحلت الأعياد ؟ ومن سيطالبني بقهوته ويطرح الفرح في عيون أطفالي ويجزل في العطاء برائحة الأجدادٍ؟ اعتدت نفسي ملكة في عهدك وبعد رحيلك أصبح ذلك التاج دون ملاك! أصبحت ذلك الجسد المتنقل في واجبات مهنية واجتماعية أوصيتني بها لأكملها ...لكن دون روح تشتاق! وكيف تشتاق لدنيا وأنت لست من حضورها؟!! وإنما غائب وروحي إليك تشتاق...أحبك يا من صنعت ذاتي وعزفت أيقونة نجاحي يوما بعد يوم ...وكنت حافزي ومحفزي للتفوّق ...وتوّجتني بإكليل الكبرياء دون سواي ...أحبك أبي بقدر ما بداخلي من ألم واحتراق ...أحبك ولو عادت انفاسك مرة أخرى لاستقلت من ذاتي واخترقت روحك لأرحل معها دون غياب.