فسحة للرأي

عن الأبارتهايد والديموغرافيا وحل الدولتين

صلاح حميدة |
عن الأبارتهايد والديموغرافيا وحل الدولتين

 كتب - صلاح حميدة:  كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن فشل مفاوضات التسوية ووصول المفاوضات بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال إلى طريق مسدود، بل أنهى اجتماع ترمب_نتنياهو فكرة ما كان يعرف ب (حل الدولتين) بعد أن دفنته جنازير الجرافات التي مهدت جبال الضفة الغربية لبناء المستوطنات مقتل في طريقها بيوت وأشجار الفلسطينيين.

استندت الدموية والعدوانية الصهيونية عام 1948م على المقولة الكاذبة: (فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) واحتلت العصابات الصهيونية ما تبقى من فلسطين عام 1967م وحققت انتصارا عسكريا خاطفا، ولكنها هزمت هزيمة أيديولوجية مدوية، فقد استطاعت سلب الأرض ولكنها لم تتمكن من طرد أهلها منها كما فعلت عام 1948م، ولذلك لا زالت تعيش حتى اليوم أزمة وجودية خانقة تتعلق بكيفية سرقة الأرض الفلسطينية وتحييد المواطنين الفلسطينيين والتخلص من أعبائهم الحياتية والوطنية والحقوقية.
عادة ما تذهب الحركات الفاشية والدول العنصرية والكيانات الكولونيالية إلى التفكير بالديموغرافيا كمشكلة، وهي تسعى دائما إلى التخلص من السكان المختلفين عبر السياسات العنصرية أو عبر المجازر أو التهديد أو الطرد المباشر، ويبقى هاجس الزيادة السكانية لتلك المجموعات يؤرق حياة العنصريين ويفسر يومياته وقد ذكر أن رئيسة وزراء الاحتلال السابقة جولد مائير كانت تصاب بالاكتئاب عندما تقرأ التقرير اليومي عن عدد المواليد الفلسطينيين!
شكل توقيع اتفاقية اوسلو مدخلا للاحتلال للتخلص من العبء الديمغرافي وفرصة لسرقة ما تبقى من الأرض الفلسطينية، ولكن على أبواب عام 2000م وصل مؤتمر هرتسليا إلى قناعة بأن الاحتلال بحاجة إلى سياسات إضافية مثل بناء الجدار العازل، وفي عام 2003م أرسلت دولة الاحتلال مجموعة من الخبراء إلى دولة جنوب أفريقيا لدراسة نظام الفصل العنصري هناك، وذلك بهدف تطوير نظام الفصل العنصري في فلسطين، وتم الإعلان عن تدريس طلبة الثانوية في دولة الاحتلال عن (كيفية إدارة الحواجز) التي يتم إذلال الفلسطينيين عليها ويتم احتجازهم في جيتوهات خلفها، هذه التسريبات الصحفية كانت مؤشرا واضحا على توجه الاحتلال نحو تحويل الفلسطينيين ألى أسرى يعيشون في معازل (جيتوهات) تحت مسمى دولة في نظام عنصري فاشية أسوأ من ذلك الذي كان في جنوب افريقيا. 
بالتوازي مع ذلك؛ بدأت سلطات الاحتلال تضيق ذرعا بالوجود الديمغرافي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وصعدت من اعتداءاتها على الفلسطينيين بالمصادرة والهدم، وتوج ذلك بالهدم الجماعي للمنازل في قلنسوة وأم الحيران.
هذا السلوك أظهر بشكل واضح الطبيعة العنصرية والتركيبة العدوانية لهذا الكيان وأظهرت بشكل جلي أنه آلة قتل وتدمير عنصرية، وأنه ليس دولة بالمعنى الطبيعي للدولة، دولة تعمل لرفاهية مواطنيها بل هو آلة قتل وتهجير للمواطنين الأصليين، ويعمل على غرس مستوطنين غرباء مكانهم.
هذه الحقائق الساطعة أعادت صورة الصراع إلى طبيعتها الأولى، ووضعت الكثير من الأسئلة أمام من انخدعوا بمسيرة التسوية وما أطلق عليه (حل الدولتين) ودقت ساعة الحقيقة أمام الجميع، ووضعتهم أمامهم سؤالا كبيرا يتعلق بكيفية التعامل بشكل عملي مع أسوأ أبارتهايد في التاريخ.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد