فسحة للرأي

من يصنع الإرهاب؟

المحامي سمير دويكات |
من يصنع الإرهاب؟

 كتب - المحامي سمير دويكات:  أكثر الدول التي مارست الإرهاب على كافة الصعد وفي كل النواحي والمجالات، كانت أوروبا ودولها المختلفة ومورس هذا الإرهاب سواء من الأفراد أو الدول نفسها وقت الاستعمار، ومن يرغب في مشاهدة مظاهره يمكنه أن يذهب إلى لندن ويجد أشكاله في متحف الشمع وسط لندن، لكن اليوم تجد هذه الدول من الدول الديمقراطية والحقوقية وتجد أن خمسين في المائة من زعمائها من الشباب، والتنمية في أعلى مستوياتها وهناك برامج هائلة في تنمية الإنسان واحترامه وتقديم كل العون والمساعدة له والمساواة الشبه مطلقة بين الناس.

حتى أن بعض المفكرين العرب عندما ذهبوا إلى أوروبا قالوا أن هناك موجود الإسلام بلا مسلمين وقالوا عن بلادنا أنها مسلمين بلا إسلام، لذلك لا يمكن تغطية الشمس بالغربال، فجذور الإرهاب هي إنسانية ونتيجة سياسات هدفها تجريد الإنسان من حقوقه الإنسانية ونقصان العدل وغياب الحرية والسجون التي تمتلئ ظلما وهي أسباب كثيرة يجب معالجتها، وأتحدى أن يذكر لي أحدكم أي من الدول العربية فيها معارضة حقيقية ومحترمة، واكبر شاهد على الذي يصنع الإرهاب هو السياسات القمعية التي تمارس ضد الناس المطالبة بحقوقها.
هي مشاهد كثير وكثيرة، فمن يقول أن السبب أو أسباب الإرهاب في الكتب الدينية والفتاوى وغيرها فهي ليست السبب وان كان بعض من يحملوها نتيجة التشدد أو الفهم الخاطئ لبعضها، ولكن لست هي، لأنها مجربة لمدة تزيد عن خمسة عشر قرنا وقد حكم الناس فيها بعدل السماء والأرض حتى كادت أن تروى أنها خيال وليس بعيدا بل كانت حتى بداية القرن الماضي وظهور الاستعمار.
فسياسات الاستعمار كانت لا تنتج سوى الإرهاب ضد شعوبنا، واستمرت ومارست أبشع صورها حتى وصل الأمر إلى حدود لا تطاق وقد كانت الممارسة الثورية ضد الإرهاب هي الوسيلة لطعن الاحتلال وزواله والاستعمار ونهايته.
بالتالي فنهاية الإرهاب لن تكون في محاربته العسكرية وخاصة انه ليس مجسد في بشر كمجموعات أو وحدات كدول أو أحياء أو أوكار ولكن الإرهاب هو في التفكير والمعرفة والنقل والتفسير لان الأسلحة والمواد يمكن مصادرتها وسلبها ومنعها وهذا ما كلن طوال سنوات القرن الماضي وبداية القرن الحالي ولكن دول مهمة كانت تدعمه وتمده بالمال والسلاح.
فالعبرة يا سادة هو في تحرير الفكر والعدل والمساواة وهو في طريقة الاتصال والتواصل بين الناس، لان غياب هذه العناصر وسلب الحقوق هو من يؤدي إلى طرق الإرهاب المميتة، نعم دعونا نعيد التفكير في سياساتنا الخاطئة وفي منح الناس حريتها وحقها في المعارضة والعمل والحركة والسفر وطلب التجارة وغيرها، وان منحت هذه الحقوق ما هي إلا سنوات ويكون الإرهاب قد مات في أرضه. بالتالي فنحن من يصنع الإرهاب في سلوكياتنا وسياساتنا المريضة، فتصور أنت وجالس على مكتبك أن تفقد وظيفتك ولا تجد مصدر أخر وأولادك في الصباح يطلبون منك المال لسد حوائجهم ولا تجده، وقتها ستفقد عقلك ويمكنك فعل أي شيء، ويمكن قياسها على كثير من الأمور. وهي كذلك ممارسات قديمة للاستعمار ما يزال يمارسها لغرض الإفساد والاقتتال بيننا مع بعضنا البعض.
وهنا أتذكر رواية " أن السفير البريطاني في الهند وأثناء فترة الاستعمار، قد مر بشارع ورأى شابا يضرب بقرة، فنزل من مركبه الفاخر وركل الشاب وأبعده، وقام بغسل يديه ووجه ببول البقرة كما يفعل من يعتقد أنها تعبد، فقام الأهالي بتبجيل السفير وقتل الشاب فورا، وعندما سئل لماذا عملت هذا؟ قال: ليضلوا يعتقدون أن هذا التخلف وعبادة البقرة هو الصح وبه نستطيع السيطرة عليهم لان عقولهم النظيفة لا يمكن السيطرة عليها"، وان ما يحصل في بلادنا هو نتيجة حتمية لجهلنا واستغلال الآخرين لهذا الجهل.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد