فسحة للرأي

صفعة القرن الأميركية !!!

محمد خضر قرش |
صفعة القرن الأميركية !!!

 كتب - محمد خضر قرش:  ليس من باب الصدفة اللغوية البحتة أن تتجانس كلمة " صفقة " بأختها غير الشقيقة " صفعة" سواء في عدد الأحرف وتسلسلها وتركيبها ونطقها (فهما من أم واحدة وأبوين مختلفين). ويطلق عليهما في اللغة الجناس الناقص غير المكتمل. فصفقة القرن التي تبشر فيها الإدارة الأميركية هي في الحقيقة صفعة قوية على وجه الأنظمة العربية من شأنها أن ترميمهم أرضا وتقعدهم وتشل حركتهم لفترة ليست قصيرة. وبدون المزيد من هذا السجال الفذلكي أو المتفذلك غير المرتبط بأس اللغة وقواعدها كثيرا، فإن ما شد انتباهي هو تكامل وتشابه النتائج السياسية المترتبة على استخدام أو وضع أي منهما موضع التنفيذ العملي. فتحقيق الثانية مرتبط بوجود الأولى واتمام الثانية معقود بنجاح الأولى. ومن المفيد بداية ولخدمة السياق أن نُذكر القارئ بما حصل ابان ما اصطلح على تسميته بالثورة العربية الكبرى حين صفع واضعي اتفاقية سايكس بيكو الشريف حسين امير مكة رغم التعهدات والرسائل التي تم تبادلها بينه وبين السير هنري مكماهون فيما عرف لاحقا بصفقة القرن العشرين بين فرنسا وبريطانيا. فكان من نتائجها توجيه صفعة قوية على وجه النظام العربي في ذلك الوقت، لم تتوقف نتائجها على تقسيم الوطن العربي فحسب بل وتم إحلال آل سعود محل أبناء واحفاد الشريف حسين في حكم الحجاز ولاحقا شبه الجزيرة العربية مما خالف كليا ما جاء في نص المراسلات المتبادلة. لكن البريطانيين والفرنسيين قدموا له ولأولاده جوائز ترضية لحكم العراق وشرق الأردن بعد أن رفضت فرنسا تسليمهم حكم الشام. وهنا وأرجو الانتباه إلى ذلك جيدا، فصفقة القرن التي ما فتئت تبشر فيها الإدارة الأميركية الجديدة ستكون بمثابة صفعة قوية ومؤثرة لأكثر من حاكم عربي، لكون النتائج المترتبة عليها ستكون استبدال وإحلال حكام حاليين بآخرين من خلال توقيع صفقة اتفاقيات جديدة شبيهة بسايكس بيكو القديمة لتقاسم النفوذ والمصالح، أطرافها الرئيسة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل. ولا اعتقد ان أحدا لم يطلع على المراسلات المشار إليها لكن ما هو الجدير بالملاحظة والذكر هو، أن الحكام العرب الحاليين لم يستفيدوا ابدا من تجربة وظروف وجوهر ولا النتائج التي ترتبت على المراسلات التي تمت بين الشريف حسين والسير مكماهون، فالذي يعيد قراءتها بتمعن سيلمس البداوة والسذاجة والبساطة والعباطة والطيبة المفرطة وحب الكرسي والذات والحكم والثقة الزائدة بما خطه السير مكماهون بيده وتصديق وعوده الخبيثة. فالفروقات تكاد تكون معدومة بين مكماهون وجورج بوش وريغان وبيل كلينتون وتاتشر وطوني بلير واوباما وترامب. فالحكام العرب يتصرفون بعكس فحوى ومضمون السنة المحمدية التي تقول " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين". فلا يوجد حاكم عربي واحد لم يلدغ عشرات المرات من خطابات ووعود ومراسلات وتصرفات وسلوك الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبريطانيا والغرب بشكل خاص. وبدون الدخول في تفاصيل الأسباب الكامنة وراء عدم اخذ الدروس والعبر والاستفادة منها وتكرار نفس الخطايا، فإن العامل الرئيس من وراء ذلك هو رغبة الحاكم العربي بالتمسك بالكرسي تحت أي ظرف. فليس غريبا إزاء حبه للبقاء في الحكم من أن يُلدغ عشرات المرات من نفس الجهة. أما السبب الثاني فهو لكونه غير منتخب ولم يصل إلى سدة الحكم من خلال انتخابات دورية فلا أحد له فضل عليه ولا أحد يحق له محاسبته او مساءلته. وبالعودة إلى صفعة القرن والتي سينجم عنها في حال تحققها ميدانيا، تغيرات جوهرية تمس الأنظمة العربية كلها بما في ذلك إعادة تشكيل حدود الوطن العربي من جديد وإعادة رسم خرائطه بما يتضمن زوال دول واستحداث أخرى على أسس طائفية ومذهبية. فصفعة ترامب لن تتوقف عند حدود دولة او اثنتين أو ثلاثة بل سينجم عنها – في حال نجاحها - تشكيلات جديدة صديقة ومرتبطة ومواليه لأميركا وإسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية واستبدال العديد من الحكام الحاليين بغض النظر عن درجة ولائهم للغرب وحماية مصالحه واستعدادهم للتطبيع المبكر جدا مع إسرائيل حتى بدون حل القضية الفلسطينية. فالعديد من الحكام العرب يقومون وقبل تلقي الصفعة بتقديم تنازلات رهيبة ليس أولها التضحية بأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول البشرية. فهم ومنذ مشاركتهم الميدانية والتمويلية في تدمير العراق وافقاره وتقسيمه طائفيا وفعل نفس الشيء في ليبيا واليمن والصومال وسوريا وتجويع مصر والأردن والمغرب وموافقتهم على تجزئة السودان ودعم انفصال الأكراد وسكوتهم المريب على كل ما تفعله إسرائيل في أرض فلسطين، بالإضافة لما قام به بعضهم بتقديم "عربونات" مالية بمئات المليارات من الدولارات، ما هو إلا دفعة أولى تحت الحساب كإثبات لحسن النوايا والاستعداد للتساوق الكامل مع المخططات التي ستشملها صفقة القرن! وكل هذا حتى لا يحنث او يغدر بهم إحفاد السير مكماهون. فهم بدأوا يتحسسون رؤوسهم خشية من ان يكونوا ضمن من سيصفعون أو سيُعزلون. الصفعة الكبرى قادمة لا محالة ولا يمكن تجنبها فهي ارتداد طبيعي لصفقة القرن إذا يقيت حالتهم على هذا المنوال. الصفقة عبارة عن موازين قوى تذيل دائما بتوقيع الأقوياء ويقبلها الضعفاء صاغرين ما دام كل همهم ومبتغاهم البقاء جالسين على الكرسي لا حول لهم ولا قوة. والغريب في كل ما تقدم ان صفقة القرن والصفعة التي تليها هي للأنظمة العربية فحسب. فأبناء واحفاد السير مكماهون لا يتنافسون إلا على خارطة الوطن العربي لكونهم غير قادرين على فعل نفس الشيء مع الأخرين. فالحكام غير معنيين إلا ببقائهم على الكرسي ولا تندرج ضمن اهتماماتهم الكرامة الوطنية والقومية العربية وتحرير أولى القبلتين من غاصبيها. لقد غيروا بوصلتهم منذ عام 1991 وباتت إيران هي عدوتهم الأولى وسلاحها النووي النظري الأكاديمي البحت أخطر من السلاح النووي الإسرائيلي الفعلي. فمحاربة إيران اهم بالنسبة إليهم وبما لا يقارن أو يقاس بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية. الواقع العربي مقبل على تغيرات كبيرة تمس المنظومة العربية كلها. ولكنها في ذات الوقت تحمل في طياتها إعادة إحياء الحركات الوطنية والشعبية المقاومة للوجود الاستعماري. فمرحلة السبات الذي تمر به حركة النضال القومي لن تستمر طويلا، فالقهر والضغط المستمر سيستنهض لا محالة قوى الشعب الوطنية والقومية المؤمنة بأرضها وتاريخها وعروبتها. صفقة القرن المخصصة على مقاس الوطن العربي لن تكون أكثر من محاولات متكررة ويائسة للسيطرة على الثروات الهائلة الكامنة في جوف الأرض العربية. فالتواجد العسكري الأميركي الميداني على وجه الخصوص في سوريا والعراق وليبيا والصومال والخليج العربي هو مقدمة لفرض صفقة القرن بالقوة. الشعب العربي يدرك تماما ان امامه تحديات كبيرة تحتاج إلى تضحيات مادية لتعطيل وإفشال صفقة القرن، واولها مواجهة ومقارعة الاحتلال الأميركي الاستعماري الوقح فوق الأرض العربية. فهزيمة داعش أربكت خطط الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل مما دفعهم للتواجد الميداني المباشر فوق الأرض العربية. الشعب العربي وحده القادر على وقف صفقة القرن!

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد