فسحة للرأي

بـ"الفيتو" ترامب يصفع نفسه

د. حسن عبد الله |
بـ"الفيتو" ترامب يصفع نفسه

 كتب - د. حسن عبد الله:  "الفيتو" الأمريكي الذي استخدم في مجلس الأمن الدولي ضد قرار أممي يرفض إعلانه بخصوص القدس، هو تعبير عن أن بلاده تقف وحدها في جهة، بينما العالم يقف موحداً في جهة أخرى، بما في ذلك أربع دول كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، الأمر الذي يدلل على أن الولايات المتحدة تناطح الحق بقرنين من عنجهية وباطل واستخفاف بحق شعب لا يعتدي على أحد ولا يحتل أرض أحد، بقدر ما يسعى إلى الاستقلال والتحرر من نير آخر استعمار على وجه الأرض.

إن "الفيتو" لا يعكس حالة قوة وإنْ كان صدر عن أقوى دولة في العالم، وإنما يعكس ضعفَ وتخبط هذه الدولة، التي تطلق النار على قرارات الشرعية الدولية وتستهدف القانون الدولي وثوابته، وتشيع ثقافة الغاب التي لا منطق لها سوى قوة الافتراس والفتك.
ولعل هذا "الفيتو" رسالة قوية واضحة لبعض الجهات العربية الرسمية وهي قليلة ومحدودة بالطبع، مفادها أن ترامب الذي تسوقون أنه ما زال قادراً على تحقيق "صفقة القرن"، وهم بذلك يسوقون بضاعة فاسدة، من خلال مقايضة القضية الفلسطينية والقدس على وجه الخصوص بمصالحهم وتحالفاتهم واستمرارهم في مواقعهم، خشية أن يخلخل ترامب الأرض تحت أقدامهم.
"الفيتو" الأمريكي لم يشكل "ضربة" جديدة ومفاجئة للفلسطينيين، فهم اعتادوا "الفيتو" الأمريكي منذ عقود، ولم يشكل صفعة لأصدقاء الشعب الفلسطيني من دول وشعوب، لأن الأصدقاء يدركون أن ترامب صفع نفسه وإدارته، لأنه صُدم حقاً بعد اخفاقه في تحديد تداعيات إعلانه، لا سيما وأنه انطلق من تقديرات خاطئة، بناها من قراءته ومستشاريه للانقسامات والحروب التي تشهدها بعض الساحات العربية والإسلامية، وبالتالي فإن العرب الممزقين المتناحرين سوف لا يعيرون انتباهاً في هذه المرحلة لا للقدس ولا للقضية الفلسطينية، إضافةً إلى مراهنته على "فزاعة" إيران التي ما انفكت الإدارة الأمريكية تخيف بعض الدول منها، بإدعاء أنها تشكل تهديداً لدول الجوار، فجاءت الردود الشعبية والرسمية أوسع وأكبر من توقعات ترامب باستثناء ساحات محدودة تحتكم لحساباتها الضيقة.
صفعة القدس، تضاف إلى صفعات أخرى سابقة جعلت ترامب يفقد تدريجياً مقود القيادة الدولية، التي استفردت بها بلاده بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية، فعادت روسيا إلى الساحة الدولية قوية متحدية من خلال حضورها العسكري والسياسي في سوريا، والاحتفاظ بمركز اللاعب الرئيس على هذه الساحة، إلى جانب التحدي الكوري الشمالي المباشر للإدارة الأمريكية وفرض كوريا نفسها كقوة نووية، فيما لم يستطع حتى هذه اللحظة بالرغم من تهديداته وتلويحاته الضغط على إيران من خلال ما أعلنه مراراً وتكراراً من أنه يعتزم الانسحاب من الاتفاقية النووية، خاصة بعد تأكيد دول رئيسة في الاتفاقية التزامها بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه السياق هل أعاد ترامب الاعتبار لبلاده ونفسه بعد سلسلة إخفاقات دولية من خلال إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل؟، وحينما نسارع لنقول "كلا" إجابة عن السؤال المطروح، فإن دليلنا مستمد من المواقف الدولية وخصوصاً العربية والإسلامية والأوروبية ودول أمريكا اللاتينية ودول كثيرة في آسيا وإفريقيا، من خلال ردود الأفعال الرافضة الرسمية والشعبية. أما ما جرى في مجلس الأمن، فلم يكن سوى إخفاق جديد لترامب، الذي سعى لعزل الفلسطينين، فإذا به يُعزل في مجلس الأمن بالموقف الاممي من القدس، فقد عزلته القدس تماماً، فجاء "الفيتو" ضعيفاً هشاً لا دلالة له سوى أن بلاده كفت عن أن تكون قائدة للعالم، وأن مكانتها في تراجع، في حين أن تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية دولية أخرى جاهزة لكي تتبوأ موقع القيادة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أو دولاً فاعلة ورئيسة في الاتحاد الأوروبي باتت تستشعر خطراً من سياسات وتوجهات "ترامب"، منحازة لمصالحها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وهي كثيرة ومتعددة، أما روسيا بقيادة بوتين المتحالفة مع الصين القوة الاقتصادية العملاقة، فقد بدأت تكثف حضورها في ملفات دولية ساخنة، مستندة إلى نجاحها في استعادة قدراتها وهي تحرز نجاحاً ملموساً في التأسيس لتحالف مع أقوى دولتين إسلاميتين عسكرياً واقتصادياً وهما تركيا وإيران، وتحديداً بعد أن أدركت تركيا واعتماداً على تحليل واستشراف، أن روسيا لا تشكل تهديداً لها، بالنظر إلى التهديد الذي صُدّر إليها على شكل انقلاب أُعد وصيغ وخطط له في واشنطن من خلال المراهنة على جماعات منشقة تقيم قيادتها في الولايات المتحدة وتتلقى كل الدعم والإسناد والحماية.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد