اخباريـات عالمية

استخرجوا الوقود من القمامة.. هكذا يحاول سكان الغوطة التغلب على أطول حصار في تاريخ الحروب الحديثة

|
استخرجوا الوقود من القمامة.. هكذا يحاول سكان الغوطة التغلب على أطول حصار في تاريخ الحروب الحديثة

هاف بوست:  خلال الأيام الماضية، سلَّطت وسائل الإعلام العالمية أضواءها على مدينة الغوطة الشرقية القريبة من العاصمة السورية دمشق، الرازحة تحت حصار نظام بشار الأسد منذ نحو 5 سنوات، بسبب القصف المتواصل من قوات الأسد والميليشيات التابعة له على المدينة، لكن كانت هناك صور أخرى أشد من المنازل المدمرة، وهي كيف أصبح حال الناس العزل تحت هذا الحصار.


المعارض السوري ياسين الحاج صالح الذي يعيش في منفاه بألمانيا، روى تجربته التي عاشها في الغوطة قبل فراره إلى برلين، في مقال نشر بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس 8 فبراير/شباط 2018، قص فيه كيف يعيش الناس وسط هذه الأجواء، وكيف تحايلوا على حصار الأسد لمدينتهم.


أطول حصار في الحروب الحديثة

وقال ياسين، أصبح الحصار المفروض على الغوطة الشرقية واحداً من أطول وأكثر الحصارات التي شهدتها الحروب الحديثة تدميراً، إذ يزيد بعامٍ كاملٍ على حصار سراييفو الذي امتد لأربع سنوات. والغوطة هي منطقة تتألف من قرىً وأرياف صغيرةٍ تقع شرقيَّ دمشق.

ووفقاً لما قاله الناشط والصحفي أسامة ناصر، الذي يُقيم في مدينة دوما بالغوطة منذ عام 2013، فإنَّ نظام بشار الأسد قد منع المُقيمين فيها من الخروج ومنع دخول أقاربهم من خارج المنطقة المُحاصرة إليهم.

وكان أهالي الغوطة الشرقية قد انضموا للاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد، في مارس/آذار 2011، في الأيام الأولى للثورة السورية، وقتلت القوات النظامية عدداً كبيراً من الشباب هناك. وكنتُ أنا هناك بعد تلك الاحتجاجات بأسابيع قليلة، وحضرتُ بنفسي ثماني جنازاتٍ لأشخاصٍ قُتِلوا على يد النظام.

وبحسب المقال وبحلول خريف 2011، فرضت عمليات القتل على المعارضة حمل السلاح. وفي يوليو/تموز 2012، بدأ النظام في مهاجمة المراكز السكانية بالبراميل المتفجرة. وقد وضع ذلك حداً للاحتجاجات السلمية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني 2012، تمكَّنت المعارضة من طرد قوات النظام من الغوطة الشرقية. وفي مطلع 2013، عاد النظام، بدعمٍ من إيران وحزب الله لامتلاك المبادرة العسكرية وفرض الحصار.

ويضيف ياسين "وصلتُ إلى مدينة دوما، في أبريل/نيسان 2013، وعشتُ مع وحدة دفاعٍ مدني عُرِفت بعد ذلك باسم الخوذ البيضاء. قصفت طائرات النظام المنطقة يومياً. ورأيتُ جثث القتلى تُجلَب إلى وحدة الدفاع المدني كل يومٍ لتُسجَّل. وفي أحد الأيام، جُلِبت لنا تسع جثثٍ. وفي يومٍ آخر، جُلبت لنا 26 جثة".

مع ذلك، ظلَّ لدى الناس أملٌ، رغم تزايد صعوبة الحياة اليومية. وفي 21 أغسطس/آب 2013، هاجم نظام الأسد الغوطة الشرقية بغاز السارين، مُتسبِّباً في مقتل أكثر من 1400 مدنيٍّ، بينهم 426 طفلاً.


الأسد والقصف بالكيماوي
وبموجب اتفاقٍ بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، أُجبر نظام الأسد على تسليم أسلحته الكيماوية لمُحققي الأُمم المتحدة، غير أنَّ الرئيس الأميركي باراك أوباما قرَّر عدم إعلان المجال الجوي السوري منطقة حظر طيران. واستنتج الأسد من ذلك أنَّ بإمكانه استخدام كل أسلحته الأخرى، بما فيها البراميل المُتفجرة والتجويع، لسحق الانتفاضة.

وبعد اتفاق الأسلحة الكيماوية بشهرٍ واحدٍ، في أكتوبر/تشرين الأول، شدَّدت قوات الأسد حصارها على الغوطة الشرقية. حتى أولئك الذين احتاجوا لرعايةٍ طبيةٍ فائقةٍ مُنعوا من المغادرة أو الحصول على المساعدة من الخارج. جعل القصف العشوائي اليومي الحياة على حافة الخطر، وأصبح الناس يجاهدون لمجرد استعادة الجثث من تحت أنقاض منازلهم، بحسب المقال.

ويستكمل ياسين "في ذلك الوقت، سيطر جيش الإسلام، وهو ميليشيا سلفية، على مدينة دوما وأنشأ نظاماً استبدادياً، فاعتقل واختطف وقتل كل من لا يمتثل لأوامره. وتضمَّنت جماعات المعارضة الأخرى في المنطقة المحاصرة جماعة فيلق الرحمن التابعة للجيش السوري الحر، وهيئة تحرير الشام التي تستمد قطاعاً كبيراً من أعضائها من الفرع السوري لتنظيم القاعدة. بالإضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الجماعات والكتائب الأصغر التي تسيطر وتُقاتل في مناطق أصغر".

وتجمع المدنيين بالفصائل المقالتة علاقاتٌ تتسم بالتأرجح، فهم يدعمونهم في معاركهم ضد نظام الأسد، لكنَّهم ينتقدون فشلهم في تجاوز انقسامهم وتوحيد صفوفهم في مواجهة النظام. ويعترض المدنيون ويغتاظون من تدخل المتمردين في حياتهم اليومية، سواءٌ كان ذلك بمعاملتهم بقسوةٍ أو بإلقاء القبض على أحدهم.

وبحسب ياسين "حين غادرتُ الغوطة الشرقية متجهاً إلى الرقة صيف 2013، كانت تكاليف الاحتياجات اليومية مرتفعةً بالفعل بشكلٍ بالغٍ نتيجة الحرب. وكان مصدر الطاقة الوحيد المتاح لنا هو مولِّدٌ كهربائيٌ يعمل لأربع ساعات يومياً".

كانت زوجتي، سميرة الخليل، قد انضمت إليَّ منذ شهورٍ قليلةٍ. لم يكن لدينا ما يكفينا لشراء الطعام، وبدأنا نفقد الوزن. وضحكنا؛ لأنَّ صديقتنا رزان زيتونة، المحامية والكاتبة التي تُوثِِّّق الأعمال الوحشية، لم تخسر أي وزنٍ؛ لأنَّها شديدة النحافة. لقد كان شعار النظام في الحرب هو: "الجوع أو الركوع".

وأثناء الحصار، كتبت سميرة، التي اعتُقلت لأربع سنواتٍ في سجون نظام الأسد لنشاطها، قائلةً في مذكراتها: "يُعد السجن، في نظر كل أولئك الذين يُعانون منه من الأطفال والمسنين، مزحةً إذا ما قُورِن بالحصار. فتحت الحصار، لا يوجد أي شيء. لا دواء، ولا خبز، ولا ماء، ولا كهرباء، لا شيء. كلا، لقد نسيت أمراً مهماً: الموت، إنَّه موجودٌ في كل مكانٍ، وفي كل أسرةٍ"، بحسب كاتب المقال.

بحلول خريف 2013، سقطت تحت الحصار، بالإضافة إلى الغوطة، مدنٌ أخرى معارضة قريبةٌ من دمشق مثل داريا والمعضمية ومضايا والزبداني، وتعرَّضت جميعها للقصف والتجويع.


كيف تعامل أهل الغوطة مع الحصار؟
وبحسب ياسين الحاج صالح، أظهرت الغوطة الشرقية مرونةً كبيرةً، وتبنَّت وسائل مبتكرةً للنجاة. إذ استمر الناس في زراعة المحاصيل في مزارعهم، وأسهم ذلك جزئياً في السيطرة على المجاعة. ووجدوا كذلك سبيلاً لخرق الحصار عبر حفر شبكةٍ من الأنفاق تؤدي بعضها إلى أحياء في دمشق، واستُخدِمت لتهريب سلعٍ أساسيةٍ.

وتمنحني العديد من المحادثات مع أصدقاء وأقارب لا يزالون يعيشون هناك شعوراً أشمل حول كيفية تمكُّنهم من النجاة. لقد أعاد الناس تدوير القمامة البلاستيكية واستخرجوا الوقود منها.

واستخدموا هذا الوقود في المُولِّدات التي هُرِّبَت عبر الأنفاق. وأصبحت الكهرباء المُتولِّدة عن هذا ضرورية للاتصال القمري بالإنترنت والعالم الخارجي. وطحنوا العلف واستخدموه دقيقاً لخَبز الخُبز؛ وحمَّصوا الشوفان واستخدموه لصنع مشروبٍ بديلٍ عن القهوة. وتقبَّلوا الأعشاب البرية، التي لم يكن أحدٌ يلتفت إليها في وقت السلم، لتصبح خضراواتهم الرئيسية. وحوَّلوا أقبية المستشفيات والمدارس إلى منشآت تخزين في مواجهة البراميل المتفجرة، بحسب المقال


نظام الأسد يتاجر بالمحاصرين

وفي تحوُّلٍ قاس، سعى النظام للحصول لتحقيق الربح عبر القيام ببعض الأعمال التجارية مع السكان المحاصرين. فبحسب العديد من التجار في الغوطة الشرقية، سمح النظام لمحيي الدين منفوش، وهو رجل أعمال على صلةٍ بقوات الحرس الجمهوري السورية التي يرأسها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، ببيع الطحين والغذاء المُعلَّب والزبدة والزيت والشاي والسكر، من بين أشياء أخرى، في المناطق المحاصرة، بحسب المقال.

وكانت الصفقة هي أن يُحمِّل منفوش المشترين المحاصرين الفقراء بضريبةٍ بخلاف السعر المعتاد. فمقابل الكيلوغرام الواحد من الطحين أو السكر أو الأرز، يُحمِّلهم مبلغ 2000 ليرة إضافية (نحو 4 دولارات)؛ وعلى الملابس أو الأحذية أو مواد التنظيف، يفرض عليهم 3 آلاف ليرة إضافية (نحو 6 دولارات)، وفقاً للعديد من السكان. بيد أنَّه يُمنَع منعاً باتاً دخول الأدوية والمعدات الطبية والإلكترونيات ومعدات البناء إلى المنطقة المحاصرة.

ولم يُترَك لسكان الغوطة الشرقية سوى موارد قليلة، وقدرة مستنزفة على شراء أي شيءٍ. وتمثَّلت موارد الدعم القليلة في المساعدات المالية من إحدى المنظمات غير الحكومية وبعض الشبكات الدينية. وبحلول عام 2017، وهي رابعة سنوات الحصار، سيطرت قوات الأسد على عدد من الأحياء من قبضة المعارضة. وفي مارس/آذار الماضي، سيطر النظام على برزة والقابون، وهما اثنان من أحياء دمشق كانا حاسمين لبقاء المناطق المحاصرة. فالأنفاق التي حفرتها المعارضة لجلب المؤن كانت تقود من الغوطة الشرقية إلى برزة والقابون. لكنَّ قوات الأسد دمَّرت شبكة الأنفاق ومنعت المؤن، بحسب المقال.

ويتابع ياسين الحاج صالح: في غضون أيام من سقوط برزة والقابون، قفز سعر وقود الديزل إلى نحو 10 دولارات للتر، بعد أن كان 63 سنتاً فقط. وكان موسم الحصاد وزراعة الخضراوات على بُعد أيامٍ فقط. ولم يستطع المزارعون تحمُّل شراء الوقود لآلاتهم الزراعية، كالمُولِّدات، ومضخات المياه، والجرارات. وببساطة لم يستطيعوا ريّ أراضيهم أو حتى حصد محاصيلهم.

دفع الفشل في زراعة وحصد الإنتاج المحلي، وتدمير نظام الأنفاق، والحصار المحكم تكلفة العيش للارتفاع بصورة جنونية. فوفقاً للعديد من السكان والنشطاء في الغوطة الشرقية، وصلت في أكتوبر/تشرين الأول، تكلفة الكيلوغرام الواحد من السكر إلى نحو 2400 ليرة سورية (نحو 5 دولارات)، والكيلوغرام من الأرز إلى 2900 ليرة سورية (نحو 5 دولارات)، والكيلوغرام من العدس إلى 2000 ليرة سورية (نحو 5 دولارات)، ولتر زيت القلي إلى 3000 ليرة سورية (نحو 6 دولارات).

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد