تقارير وتحقيقات

الحاج عيد.. فلاح فلسطيني على الجبهة

|
الحاج عيد.. فلاح فلسطيني على الجبهة

كتب - عاطف دغلس *:  كما لو كان شابا في مقتبل العمر، يلج الحاج عبد الكريم عيد (أبو سمير) أرضه كل صباح بهمة عالية، ويواصل العمل بها وخدمتها على أكمل وجه، لتبدو لوحة طبيعية خطتها يد فنان عالمي، لا سيما هذه الأيام وهي تطرح حصادها من نبات العكوب والزعتر البلدي.

وعلى طريقته، يحتفي التسعيني أبو سمير بأرضه، ليؤكد رسالة يحملها الفلسطينيون داخل فلسطين المحتلة عام 1948 منذ 43 عاما حين انتفضوا في مثل هذه الأيام رفضا لمصادرة الاحتلال الإسرائيلي أرضهم، فثاروا غضبا وقدموا فيها ستة شهداء وعشرات الجرحى.

وفي أرض "قطان السكة" -نسبة لسكة الحراثة- بقريته جينصافوط قرب مدينة قلقيلية (شمال الضفة الغربية) يتواجد أبو سمير باستمرار، يقضي نهاره بين تقليب التراب وتقليم الأشجار وجني المحصول، لا سيما في هذه الأوقات التي تتزامن وموسم العكوب والزعتر البلدي.
لآخر رمق
يمهد أبو سمير الطريق جيدا نحو أرضه، فموقعها الإستراتجي عند الشارع العام بين مدينتي قلقيلية ونابلس يجعلها محط أطماع جيش الاحتلال ومستوطنيه، لكنه يقف بالمرصاد لمكر الاحتلال وعدوانه، فهو لا يكاد يغادرها إلا لبضع ساعات يخلد فيها للنوم بمنزله.

كعادته، ينطلق صباح كل يوم ممتطيا عربة يجرها حماره صوب الأرض، وفور وصوله ينخرط في العمل، وبالكاد اقتطعنا جزءا من وقته ليحدثنا عن حكايته وأرضه الممتدة لسبعة عقود، ويقول للجزيرة نت -مشيرا بيده نحو حدود الأرض- "هذه رأس مال الفلسطيني، عليه أن يصونه ويحميه من أي غريب".

ورغم أجواء الشتاء الباردة، يظهر الرجل متعبا وتتصبب قطرات العرق فوق جبينه وهو يستجمع قواه ليأخذنا بين ثنايا "جنته" -حسب وصفه- ليطلعنا على آخر مشاريعه فيها، وبلهجة الفلاح يقول "كل شيء بدو تعب".

على الأقل، تحيط بأرض أبو سمير سبع مستوطنات احتلالية، وعلى بعد أمتار قليلة يجثم بعضها ويصادر ويعزل أكثر من سبعة آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) من أراضي قرية جينصافوط، بينها ثلاثون دونما يملكها أبو سمير.

رغم التهويد
وبحرقة يروي الحاج التسعيني جانبا من معاناته في أرض "خلة البلاعة"، المعزولة داخل مستوطنة "جينوت شمرون"، ويقول إن الاحتلال لا يسمح لهم بزيارة الأرض هناك إلا لأيام فقط؛ "اثنان منها للحراثة وثلاثة لقطف الزيتون الذي اقتلع المستوطنون ثلاثمئة شجرة منه".

وبيده غرس أبو سمير 120 شجرة زيتون في "قطان السكة" كأوتاد تثبت وجوده وعائلته، كي لا تتكرر مأساته ثانية، فالاحتلال هذه المرة لجأ لطرق "خبيثة" -حسب وصفه- لإسقاط جزء من الأرض لصالح الشارع العام الذي يربط بين المستوطنات.

وقبل ذلك هوَّد الاحتلال الأراضي المحيطة تحت حجج الأغراض العسكرية والأحراش، أو اعتبارها أرضا أميرية ومناطق ألغام.

وباليد نفسها، كان يجمع الحطب لإيقاد النار وإعداد "إبريق من الشاي" يحتسيه في هذا الجو البارد، ويلقمه شيئا من النباتات المعطرة التي يزرعها كالنعنع أو الميرمية، ويقول وابتسامته العريضة تملأ فاه "بلا الأرض مالناش (ليس لنا) قيمة".

ويستشعر حمد الله عيد كلام والده جيدا، ويقول إن الاحتلال أخطرهم باقتطاع نحو ألفي متر مربع من أرضهم لتوسيع الشارع المذكور، ويضيف أنه لا يحق لهم الاعتراض لكونها "أوامر عسكرية"، خاصة أن الشارع يستخدمه الجنود والمستوطنون بكثافة.

في المقابل، تحرم العائلة من تشييد أي بناء داخل أرضها، حتى وإن كان "عريشة"، فالمنطقة المصنفة "سي" يحظر الاحتلال أي بناء مهما كان شكله أو حجمه.

ما تبقى من الأرض
ووفق اتفاق، أوسلو تقسم الأرض الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس وغزة لمناطق "أي" وتقدر بـ18%، و"بي" وتبلغ 21%، و"سي" التي تضم أكبر مساحة وتصل إلى 61%.

لكن ثمة ما يزيد قلق الفلسطينيين وخوفهم؛ فإسرائيل -ووفق مدير مركز أبحاث الأراضي بشمال الضفة الغربية محمود الصيفي- تسيطر أمنيا على 82% من الأرض فعليا.

ويقول الصيفي إن السلطة تسيطر عمليا على عشرة كيلومترات مربعة من مساحة الضفة الغربية البالغة 5700 كيلومتر مربع، أي ما نسبته 3.77% من أرض فلسطين التاريخية، والبالغة 27200 كيلومتر مربع.
 
* الجزيرة نت
 

في رحلته الممتدة على امتداد عمره، يذكر الحاج أبو سمير اصطحاب والده له للأرض، وهو الآن يفعل الأمر ذاته مع أبنائه وأحفاده، ويبعث رسالة "لمن يهمه الأمر" بضرورة دعم صموده وصمود أمثاله بكل الطرق.

المصدر : الجزيرة

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد