تقارير وتحقيقات

نفط عجَّة الأخضر.. بالفيديو حكاية الفريك من الحقل إلى الصحن

|
نفط عجَّة الأخضر.. بالفيديو حكاية الفريك من الحقل إلى الصحن

كتب - عاطف دغلس *   لوقت قليل، أماط غسان خليفة اللثام عن وجهه واستظل تحت شجرة زيتون ليستريح قليلا، بعد يوم عمل مرهق في إعداد الفريك (القمح قبل النضوج) الأخضر وحرقه بالنيران.

لم يظهر التعب على خليفة وحده، بل هي حال أمثاله من عمال البيدر (ساحة مفتوحة) ببلدة عجَّة قرب مدينة جنين (شمال الضفة الغربية)، حيث يُعدّ الفريك الذي تتصدر البلدة إنتاجه منذ ثمانينيات القرن الماضي ويشكل عماد اقتصادها.
 

غسان خليفة يعمل منذ سنوات في حرق الفريك

 


بمهمة اعتادها خليفة (39 عاما) منذ عشر سنوات يمسك بيد أسطوانة الغاز وبالأخرى خرطوما متصلا بها، ويقدح شرارة ليخرج اللهب وتبدأ عملية حرق أكوام الفريك المفروشة بساحة البيدر، في حين يمسك زميله بالشاعوب (مذراة) لتقليب الفريك كي تصله النيران ويسهل جرشه وفصله عن قشوره.

قبل الحرق بهذه الطريقة عمل خليفة بضع سنوات بالطرق القديمة، حيث يحرق الفريك باستخدام النتش (شوك جبلي) ويفرك بين الكفين ويُنسَّف بالغربال لفصل القشر عن الثمر، وهي طريقة قديمة اعتادت النساء على استخدامها لتحضيره، أما الآن فينتج بأدوات حديثة تُسرِّع العمل وتزيد الكمية.

 
مهمة الحرِّيقة
وعند الظهيرة يكون خليفة بين نارين: الشمس الحارقة ولهيب الغاز، لكنه وقت ذروة العمل ولا مفر من ذلك، حيث تكون سنابل الفريك قد جفت قليلا وتهيأت للحرق.

معروف سليمان

 
يحدثنا والعرق يتصبب فوق وجنتيه "عملية حرق الفريك ليست سهلة، وأي زيادة أو نقصان في الزمن المحدد يؤدي إلى تلفه".
 
لهذا يصف معروف سليمان (أبو معاذ) -المزارع والمالك لمشروع إنتاج الفريك- مهمة "الحرّيقة" كما يطلق عليهم في عجَّة "بالحساسة والخطرة".

ويقول إنهم "عماد العمل وذروة سنامه"، وإنه يثق في قدرتهم على إنتاج محصول وفير خاصة بعد موسم ممطر جيد.

ورغم ذلك، لا يفوِّت الستيني أبو معاذ مساعدة عماله في البيدر، ولا يكتفي بالإشراف فقط، ويقول مستذكرا ماضيه في تحضير الفريك قبل اغترابه لأكثر من ثلاثة عقود: "البيدر لا يزال كما هو والفريك أيضا، والجديد يكمن في حداثة أدوات إعداده".
 

حرق الفريك مهمة خطرة وحساسة للحفاظ عليه بشكل جيد

 
 
غذاء مهم
ويرعى الرجل خمسمئة دونم (الدونم ألف متر مربع) من الفريك، بعضها يزرعه والآخر ابتاعه من المزارعين في بلدته والقرى المحيطة، ويُشغّل أكثر من عشرين عاملا في بيدرين اتخذهما لإعداد منتجه.

يعد الفريك طعاما جيدا تكتمل فيه العناصر الغذائية، كما يعد طبقا مميزا على موائد الفلسطينيين، ويقدم مطبوخا كالشوربة أو "يُفلفل" مثل الأرز وحده إلى جانب الطعام، أو تحشى به الطيور كالدجاج والحمام.

 
ويحصد الفريك بقطف سنابل القمح الخضراء التي تنقل للبيدر لتجف قبل ليلة من تحضيرها، حيث تُجمع على شكل أكوام صغيرة ثم تفرد وتحرق، وتحول بقاياه من القش الأصفر والقشور بعد حصاده وضرسه (تقشيره) لغذاء المواشي.

يطلق العجَّاويون على الفريك "النفط الأخضر" أو "هوية عجَّة الخضراء"، فهم روَّاد زراعته وإنتاجه بكميات تصل لأربعة آلاف طن سنويا، وتصدره محليا وخارجيا لـ25 دولة عربية وأجنبية عبر مصانع خاصة في البلدة.
 
الحصة الأكبر
يقول عاصم قاسم المسؤول المالي والإداري في بلدية عجَّة "ما يميز قريتهم بإنتاج الفريك هو أن حلقة الإنتاج تتم كلها داخلها، بدءا من زراعته ومرورا بحصاده وحرقه ثم جمعه وضرسه وتعبئته تمهيدا لتصديره.

وتنتج عجَّة نحو 70% من محصول الفريك الفلسطيني، وتزرع 30% منه بأراضيها السهلية المقدرة بنحو ثلاثة آلاف دونم، وتتحصل على بقية المنتج إما شراء أو ضمانا من مناطق فلسطينية تتفاوت في الإنتاج كما وزمانا.

ويوفر موسم الفريك -وفق قاسم- ألف فرصة عمل بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو يشكل بذلك دخلا جيدا للمزارعين والتجار على حد سواء، إذ تتراوح نسبة إنتاج الدونم الواحد بين خمسمئة وثمانمئة كيلو غرام.
 
ويعتبره الأهالي تقليدا زراعيا وتراثيا فلسطينيا تتعزز فيه أواصر التواصل الاجتماعي وتتخلله العديد من الأنشطة الثقافية والفلكلورية.

غير سحب الدخان الكثيف لن ترى في بيادر المزارعين في عجَّة هذه الأيام، ويطغو صوت لهيب النيران المتصاعدة على كل صوت، لكن فرحة المزارعين بمنتج ومحصول جيد تأسر المشهد بأكمله.

* مراسل موقع الجزيرة

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد