فسحة للرأي

بوصلة الأمة الإسلامية تسير نحو الخلافة

عاهد ناصرالدين |

بقلم : عاهد ناصرالدين

مرت الأمة الإسلامية خلال الفترة المنصرمة في ظروف قاسية ومؤلمة، وأصبح واضحاً لكل ذي عينين حال الأمة الإسلامية وما آلت إليه من ذل ومهانة وتأخر وانحطاط وتشرذم وتدابر، تتأرجح بين دول الغرب التي تتقاذفها كالكرة بين أقدام اللاعبين . حتى أن الكافر المستعمر استطاع أن يكُوِّن عقلية كثير من أبناء المسلمين تكوينا خاصا أبعدهم بذلك عن دينهم وجعل بعضهم لا يشعر بضرورة وجود الإسلام في حياته وحياة أمته مما أدى إلى الجهل بالإسلام ؛خاصة فيما يتعلق بكيفية النهضة وتطبيق الإسلام في معترك الحياة, والجهل بنظام الحكم في الإسلام والنظام الإجتماعي والإقتصادي وسائر أنظمة الحياة . بفقدان دولة الخلافة فقدت الأمة الإسلامية ما وصفه القلقشندي: بـِ«حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه، ومرتع سائمته، والتي بها يحفظ الدين ويُحمى، وبها تُصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك، وتُحفظ الفروج فَتُصان الأنساب عن الاختلاط، وتُحصن الثغور فلا تطرق، ويُذاد عن الحُرَمِ فلا تُقرع». لقد افتُقدت فعلاً هذه المعاني واختفت بسقوط دولة الخلافة، وغاب واقع هذا الوصف الذي ذكره القلقشندي عن الخلافة تماماً من حياة المسلمين لقد كانت الدولة الإسلامية في عنفوان مجدها وأوج قوتها، وجيشها الجيش الذي لا يُغلب؛فحاول الكافر المستعمر القضاء عليها عسكريا ففشل،ثم لما حصل الإنقلاب الصناعي في أوروبا اغتنم العدو هذه الفرصة الذهبية واتخذوه وسيلة للغزو الفكري، وأداة للغزو السياسي، واستعملوه قوة للغزو العسكري، ولكن عندما عجزوا في القضاء على الخلافة الإسلامية التي تجمع الأمة والبلاد الإسلامية اتخذوا أسلوب تقطيع أطرافها عنها، فبدأوا باقتطاع البلاد الإسلامية بلداً بلداً حتى يتم لهم القضاء على مركز الخلافة الإسلامية . وبالفعل سارت دول الغرب تُقَطِّع بلاد المسلمين حتى كانت الحرب العالمية الأولى فتمكنوا بعد انتصارهم في تلك الحرب من إزالة الخلافة، وتقطيع الأمة الإسلامية بتجزئة بلاد الإسلام إلى مستعمرات ثم إلى دول، وتفريق صفوف الأمة الإسلامية إلى شعوب وقوميات، باسم الإستقلال، ورسموا ووضعوا حدودا وهمية فاصلة مقطِّعة جسم الأمة الإسلامية الواحد أجزاء مفككة لا يربطها رابط، فاستطاعوا الإستيلاء على البلاد الإسلامية وتحطيمها والقضاء على الخلافة الإسلامية، وتقسيم الأمة إلى نحو خمس وخمسين دولة ليتمكن من قتلهم بلدا بلدا ،ولا يقوم أي بلد بنصرة أي بلد يُذبح فيه أهله كالعراق وفلسطين . وقام بإلهاء وإشغال المسلمين عن العمل الحقيقي الموصل للنهضة الصحيحة ؛ فمئات الملايين يحدقون أبصارهم وينظرون إلى كرة تتقاذفها الأقدام هنا وهناك فيتبعها شباب في طول الملعب وعرضه . إن القلب يذوبُ كَمدا والعينُ تبكي حُزناً وهي ترى الكثيرَ الكثير لاهين مثل هذا اللهو المنظم والمقصود من قِبل أعدائنا. وهل يصح هذا من أمة تعاني من أعداء الله ؟ وهل يصح من أمة أصيبت بالذل وحل بها الضعف والهوان ؟ هل يُقبل من أمة سقطت خلافتها وغاضت أحكام الإسلام من الأرض أن تهتم بالمباريات التي يرافقها السب والشتم والإقتتال والتعصب الأعمى ؟ أيصح لأمة انبعث الصراخ من جسدها في كل الآفاق ،من الثكالى ، من الأرامل، من الأوجاع ، من الآلام ،من المُغتصبات أيصح أن تهتف لتشجيع الفريق الفلاني أو العلاني بدل الإستجابة لصرخات الإستغاثة ؟ أيهما أغلى كرات تتناثر هنا وهناك أم أشلاء الشهداء التي تناثرت وتتناثر في فلسطين والعراق والباكستان ؟، هل يصح لأمة سالت دماء أبنائها الزكية من الشباب والشيوخ والرضع كالشلالات وذُبحت من الوريد إلى الوريد أن تلتفَّ حول كأس العالم ؟ أيهما أصح أن تلتهي أمة الإسلام بكأس العالم أم تتجه لإخراج أسراها وأسيراتها من السجون والمعتقلات ، وقد كثُرت رسائل ذويهم التي تقطع نياط القلب . ثم نتساءل ألا نرى أقدام الساسة الغربيين ،وممن أساءوا للعقيدة الإسلامية ؛ يصولون ويجولون في بلاد المسلمين ، ولا يغادر هذه البلاد زائر إلا ويأتي غيره بفكرة شيطانية خبيثة هي أسّ الداء ومكمن البلاء . فهل يكون الإهتمام بأقدام اللاعبين أم بأقدام الساسة الغربيين الذين يعيثون في الأرض فسادا وينشرون الأفكار المناقضة للإسلام ؛ فتعمل الأمة على إبعادهم عن عقول أبنائها ونفطها ومقدراتها . لهوٌ بكأس العالم وكأن قضايا الأمة قد حُلت!!! . والأدهى والأمر أنهم فتحوا للنساء مسابقات ملكات الجمال وأغروهن بالمال الوفير الذي بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ لتتاجر المرأة بأهم شيء عندها وتُراق من أجله الدماء، وقديما قال الشاعر لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم!! فأصبحت المرأة ذليلة مهانة وكأنها سلعة تُباع وتشترى وقطعة فنية للمتعة الجسدية ولا تظهر دعاية إلا وصورتها عليها، لا قيمة لها بعد استغلال أنوثتها بعد كبر سنها وذهاب جمالها الذي تنافس فيه غيرها من أجل دراهم بخس معدودة . يريدون بذلك منها أن تكون مقلدة منسلخة عن دينها وقيمها الأصيلة أو ضائعة مُهانة تُستغل وجمالها للتجارة ،وبعد استهلاكها تُرمى في دارالمسنين!!!!!! فأراد الكافر المستعمر أن يبعد المرأة وسائر المسلمين عن أحكام الشرع ومنها أحكام النظام الإجتماعي الذي ينظم علاقة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل ، وينظم العلاقة التي بينهما عند اجتماعهما وكل ما يتفرع عنها . كل ذلك يجري ، والأمة ليس لها كيان سياسي ولا إرادة سياسية ولا قرار سياسي نابع من كتاب الله وسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم - . كل ذلك يجري وبلاد المسلمين مستعمَرة ومجزأة إلى عدة دويلات حتى وصلت إلى نحو خمس وخمسين دويلةً . بل إننا نرى التعصب بعينه من خلال إجراء المسابقات والمباريات وكأس العالم ،ونرى ما يُجسد مفهوم الإنفصال ويبعد مفهوم الوحدة التي أمرنا الله بها ؛ فهذا يشجع الفريق كذا التابع لدولة كذا من الدول العربية كذا ،وذاك يشجع فريقا آخر مع التعصب والإستعداد لسفك الدماء إن خسر هذا الفريق أو ذاك حتى لو كان الفريق أجنبيا . لقد عاث الكفر في أرض المسلمين الفساد ، وسام المسلمين سوء العذاب ،وبالغ في إظهار عداوته لله ولرسوله وللمؤمنين . لأن المسلمين قعدوا عن نصرة دينهم والقضاء على أعدائهم ، فأمعن الكفار فيهم ، إذ لم يروا أن المؤمنين لبعضهم كالجسد الواحد، وليس لهم قائد له الإرادة السياسية يملك بها اتخاذ القرار المناسب؛ فأتبعوا فلسطين بالشيشان وبأفغانستان ، وبالبوسنة وبكسوفا وبالسودان وبالجزائر ومن ثم بالعراق ولبنان . دنسوا كتاب الله سبحانه على مرآى ومسمع الأمة عيانا ، وأهانوا شخص رسول الله في أكثر من موضع ، وهانت الأمة في عيون أعدائها من أراذل الخلق حتى أصبح حديث رسول الله منطبقا بحرفيته : {يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة الى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : وما الوهن يا رسول الله : قال حب الدنيا وكراهية الموت} . الرياضة إما أن تكون ضمن أمر الله بالإعداد لإرهاب أعداء الله وإما ضمن الألهيات الخبيثة المُنظمَة التي زُرعت وتُزرع في عقول بل أعماق أبناء الأمة المجاهدة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر والمسؤولة عن إخراج البشرية من الظلمات إلى النور. {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ }{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ }{لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }الأنبياء1-3 إن الله جعل الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس ، وأراد لها أن تقود العالم وكلفها بحمل الدعوة الإسلامية لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وأن الله – تعالى – اختص الأمة الإسلامية بأن بعث إليها محمدا – صلى الله عليه وسلم – . فأين المسلمون من المكانة التي وضعهم الله فيها ومن الرسالة التي كلفهم بحملها ؟؟ أين المسلمون من تطبيق أحكام الله ؟؟ أين المسلمون وهم يُذبًّحون ويُقَتًّلون ودماؤهم تسيل وتُراق وكأنها رخيصة لا قيمة لها ، لا يوجد لها راع ولا حام يحميها،وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ ) . لقد بين الشرع وجوب وجود الخلافة ,ووجود خليفة واحد للمسلمين ،وأن تكون الأمة واحدة؛ فهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا؛ لإقامة أحكام الشرع، وحمل الدعوة إلى العالم. فهلا قمتم أيها المسلمون بالحفاظ على أعراضكم ودمائكم ومقدساتكم وحرماتكم، ووحدة بلادكم جميعها بتغيير جميع الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، ليضع مكانها نظاما إسلاميا في دولة إسلامية واحدة، هي دولة الخلافة الراشدة الثانية، وعلى رأسها خليفة المسلمين، فيطبق الإسلام كاملا كما طبقه الرسول الكريم والخلفاء الراشدون من بعده، ويرفع الظلم عن الناس، ويقيم العدل، ويحرر البلاد والعباد، وينشر الخير، ويأخذ زمام المبادرة من الدول الكافرة، لتصبح دولة الخلافة هي الدولة الأولى في العالم ، تنشر الإسلام في العالم لتخرجهم من الظلمات إلى النور،وتخلصهم من جور وشقاء النظام الرأسمالي الديمقراطي الظالم. وهلا تقربتم إلى الله بالعمل لإنهاض الأمة والقيام بهذا الفرض ، وقد آن الأوان لهذه الأمة أن يتحرك حنينها إلى الجنة وتتنسم ريحها وتصبو إلى نعيمها . قال تعالى : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة19 ،وقال عزوجل : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }فصلت33 . إن الأمة الإسلامية باستطاعتها أن تخرج من هذا الوضع الذي آلت إليه، إن هي أخذت العقيدة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية إسلامية لتقيم حياة الناس والعلاقات على أساسها، وهذا يلزم أن يستمر عمل العاملين في حزب سياسي لتركيز هذه العقيدة بمفهومها السياسي في الأمة،وستبدأ الأمة قطعا السير في طريق النهضة والتحرير، وهي السبيل الوحيد للنهضة والإرتقاء الفكري لتكون الأمة الإسلامية في مقدمة الأمم كما كانت من قبل حاملة رسالة الهدى والنور إلى العالم أجمع متقدمة في جميع المجالات. {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ }الصافات61 .

abuhatem1962@yahoo.com

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد