فسحة للرأي

قراءة في الواقع الفلسطيني

أحمدي محمد |

أحمدي قاسم محمد

مستجدات الواقع الفلسطيني كثيرة ومتتابعة، ومثيرة إلى حد الاندهاش والصدمة، وتأتي تلك المستجدات كرعد مفزع ينذر بسماء حبلى أوشكت على المخاض. فعلى الأرض المباركة مازال الصراخ الإعلامي داوياً بين طرفي النزاع ـ حماس وفتح ـ المتناقضين في العقيدة السياسية، والنهج النضالي إذا جاز التعبير على السواء وكأنهما فرسان في مضمارين متوازيين يستحيل التقاءهما عند نقطة ولو في نهاية الأفق. ففتح تعلن شرعيتها في الوقت الذي تنفيه عن حماس، بل وتوصف حكومتها التي انتخبها الشعب الفلسطيني في أوائل العام الماضي بالمقالة، وتتهمها بالانقلاب على الشرعية الفلسطينية. هذا في حين تعتبر حماس أن ممارسات قيادات السلطة الفلسطينية وخطها القيادي للشعب الفلسطيني يمثل خطراً على القضية الفلسطينية، وتضييع لثوابتها، وإهدار للحقوق الفلسطينية، فضلاً عن قناعتها بأن القضية الفلسطينية، تخص العرب والمسلمين جميعاً وليست خاصة بالفلسطينيين وحدهم، وتعلل تفردها بالحكم في غزة بالفعل الاضطراري الذي جاء كدفاع وحيد عن النفس لدفع الممارسات الطغيانية عن الشعب الفلسطيني في غزة، وإجهاض استئصالها الذي تدعي أنها تملك الوثائق الدامغة على حقيقته. والواقع على الأرض أيضاً يحمل نفس التناقض. فغزة محاصرة فوق الأرض بغلق جميع المعابر، ولا يسمح إلا بالضرورات التي تكاد تحفظ الحياة، فليس الحصار لمنع السلاح فحسب، ولكن لمنع كافة شرايين الحياة حتى تلك التي يحفرونها تحت الأرض يفجرونها فوق رءوسهم ولا يبالوا. أما في الجانب الآخر فالسلطة الفلسطينية مدعومة مادياً ومعنوياً، فلم يجد قادتها حرج في التصريح بهواجسهم من تأثير الأزمة المالية العالمية على الدعم الأوروأميركي الذي يصب في أرصدتهم بسخاء، والذي تجاوز الاثني عشر ملياراً خلال اثنتي عشرة سنة. (بلغت المساعدات الدولية منذ عام 1994 م وحتى العام الحالي، للسلطة الفلسطينية 12،505،933،358 دولاراً وذلك بحسب تقرير أصدره المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، بناءً على دراسة أجراها لمصادر الدعم الخارجي خلال هذه الفترة وتناولت بعديها الكميّ والنوعيّ) أما الأسلحة فتأتيهم عبر الأردن في أرتال الشاحنات تحت سمع وبصر الجميع، ويدرب الأمريكيون جيش السلطة في معسكرات خاصة بها أيضاً. أما هنا في القاهرة فطاولة المفاوضات أعدت ليجلس إليها الفرقاء، مع إصرار مصري على التوصل إلى حل نهائي للصراع السلطوي الحماسي، بلغ درجة الإعلان عن مهلة خمسة عشر يوماً للطرفين، وإلا فستضطر راعية المفاوضات ـ مصر ـ لفرض حل على الطرفين. أما الواقع الإسرائيلي فهو لا يقل غرابة أيضاً، فالحكومة الإسرائيلية تستحث المغتصبين في الضفة الغربي للرحيل، وتحفزهم بتعويضات مالية مغرية. في ذات الوقت الذي تسمح فيه لقوات فلسطينية دربها الأمريكيون في الأردن على دخول الضفة على دفعتين حتى الآن ـ الأولى خمسمائة جندي والثانية سبعمائة ـ وهي الآن تقوم بوظيفة حفظ الأمن في الأماكن التي تسلمتها من إسرائيل ـ الخليل ـ. هذا بالإضافة إلى العمل المحموم في بناء الجدار العازل وإنجازه في أسرع وقت ممكن. ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ هل ستنسحب إسرائيل من الضفة الغربية؟ الإجابة التي يراها الكثير من المحللين إيجابية. نعم جميع الشواهد والتحركات الأخيرة من إسرائيل والسلطات العربية الفاعلة علناً في القضية الفلسطينية تؤكد أن إسرائيل تستعد للفرار من الضفة الغربية والاحتماء خلف الجدار العازل كحدود إسرائيلية آمنة مؤقتاً لتجاوز المقاومة الفلسطينية التي فاجأتها وألزمتها تغيير سياستها التوسعية وإرجاء تحقيق إسرائيل الكبرى إلى فرصة لاحقة تمنحها إياها المتغيرات السياسية في الشرق الأوسط. ومن هذه الشواهد. ــ تصريح أيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن إسرائيل الكبرى أصبحت وهماً، وزمن الاعتقاد فيها ولى بلا عودة. (فكرة أرض إسرائيل الكاملة والمتكاملة قد ولت ومن يتحدث عنها يوهم نفسه) وهو تصريح مثير يمثل صدمة قوية أخلت بتوازن أولئك الذين يعتقدون أن الاحتلال الإسرائيلي قدر لا فكاك منه، وعلى العقلاء التعامل معه كواقع لا يمكن تغييره، ومعالجة الأمر بأقل خسائر ممكنة، ودفع الشر الإسرائيلي بقدر المستطاع والمستطاع قليل. والقراءة الإسرائيلية لمعطيات الواقع تؤكد أنهم يفهمون الحقيقة ويعون تداعياتها، في حين أن الآخرين يخافون من فهم ذات المعطيات، أو لا يملكون الجرأة على القبول بها لأنها تهدم منطلقاتهم وتحرك ثوابتهم التي أسسوا توجهاتهم عليها. لهذا نجد أولمرت يذهب إلى أبعد مما يتخيل العرب حين يعلن في ذات التصريح أن الوقت ليس في صالح إسرائيل. (الوقت لا يصب في مصلحة إسرائيل وأن النقاش حول تعويض الراغبين في مغادرة المستوطنات يأتي في التوقيت المناسب) ــ دعوة الحكومة الإسرائيلية المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية إلى ترك منازلهم والتحول إلى داخل الجدار العازل وتعويضهم بمبالغ مادية رصدتها الحكومة للتعويض. (ومن جانبه قال النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي حاييم رامون انه بموجب هذه الخطة سيتسلم كل مستوطن يوافق على ترك منزله مبلغ مليون ومائة ألف شيكل. وأضاف أن الحجم الإجمالي لوضع هذه الخطة موضع التنفيذ يقدر بمليارين وستمائة مليون شيكل. وذكر راديو إسرائيل انه يستدل من الخطة التي عرضها النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن 18 بالمائة من المستوطنين مستعدون للتخلي عن منازلهم لقاء تعويض مالي) فبماذا نفسر هذه الخطة الإسرائيلية غير أنها انحسار وتراجع إسرائيلي وشيك للاحتماء خلف الجدار العازل، بعد فشلها في القضاء على المقاومة الفلسطينية ومواجهتها، وإتاحة الفرصة لغيرها ليقوم بهذا الدور القذر الذي عجزت عنه. ــ تجميل الوجه الإسرائيلي الذي ظهر قبح ملامحه بوضوح ينفي كل شك في الممارسات الإجرامية التي واجهت بها الآلة العسكرية الصهيونية انتفاضة الشعب الفلسطيني التي أعادت طرح القضية الفلسطينية طرحاً عادلاً، بدا من خلاله للعالم أن إسرائيل دولة محتلة تنتهك حقوق الفلسطينيين وتفرط في استخدام القوة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وبلغت حد الإبادة الجماعية المتعمدة. وكانت إدانة الحكومة الفلسطينية الحماسية في غزة دائماً لإسرائيل بأنها دولة محتلة تنتهج التوسع وترفض أن تكون لها حدود معلومة، وهو ما أصبح يمثل عبئاً على أصدقاء إسرائيل في الداخل الإقليمي وخارجه. ولهذا أعلن راديو إسرائيل أن تحديد المعالم الجغرافية لدولة إسرائيل سيعزز من مكانتها الدولية. (وقال الراديو أن رامون ـ النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي ـ أشار إلى أن تنفيذ الخطة من شأنه أن يعزز مكانة إسرائيل دوليا وموقفها في التفاوض مع الفلسطينيين) وما يؤكد أن الهرولة الإسرائيلية خلف الجدار العازل حقيقة وليست مجرد وجهة نظر، المعارضة الداخلية للإسراع في تنفيذ الهروب الإسرائيلي، والتحذير من مغبة تداعياته. (وأشار الراديو إلى أن وزير الأمن الداخلي آفى ديختر عارض هذه الخطة قبل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين معربا عن اعتقاده بأن رسم حدود الإجلاء سيضعف إسرائيل في عملية التفاوض) ــ إعداد السلطة الفلسطينية وتأهيلها عسكريا ومادياً ونفسياً لحكم المناطق الفلسطينية بالنيابة، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف أعدت الحكومة الإسرائيلية برنامجاً تدريبياً على مدار ستة عشر أسبوعاً، ورصدت له سبعة ملايين دولار. (وأكدت المصادر عينها أنّ تكاليف التدريبات الأمريكية للعراقيين والفلسطينيين وصلت إلى سبعة ملايين دولار.... وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة للغاية أمس الخميس لصحيفة 'القدس العربي' أنّ الإدارة الأمريكية الحالية أقامت معسكرات تدريب وتأهيل عسكرية في المملكة الأردنية الهاشمية لتدريب الجيش العراقي التابع للحكومة العراقية، التي يرأسها نوري المالكي، ولقوات الأمن الفلسطينية التابعة للأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تعمل تحت إمرة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس.) والجدير بالذكر أن هذه القوات فتحاوية خالصة، بل وتابعة للسلطة الفلسطينية بقيادة عباس، وحذر الإسرائيليون السلطة الفلسطينية من خطورة ضم أفراد ينتمون لحماس أو الجهاد الإسلامي لهذه القوات. (أن إسرائيل أبلغت السلطة الفلسطينية بأنها ستعتبر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية جهات معادية وستعمل على استهدافها إذا أدخلت إليها عناصر من حركتي حماس والجهاد الإسلامي ضمن المساعي لإنهاء حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، ونقلت الصحيفة عن مسئول امني فلسطيني كبير قوله إن إسرائيل نقلت هذه الرسالة عبر المنسق الأمني الأمريكي الجنرال كيث دايتون) ــ طاولة المفاوضات التي فرشت في القاهرة لرأب الصدع الفلسطيني وتوحيد الصف الممزق، هكذا أعلنت بطاقة الدعوة المقدمة للأطراف المعنية. ولكن ما هي أسس العملية التفاوضية التي من المفترض أن تديرها القاهرة في ظل هذا الواقع المتشابك، وفي ظل التداخلات التي ضاعفت غموض المشهد. بداية هناك شكوك قوية حول الحياد المصري في المفاوضات، خاصة والفلسطينيون ينظرون إلى غلق معبر رفح على أنه مشاركة مصرية مباشرة في حصار غزة، ويزيد الأمر تعقيداً تصريحات وزير الخارجية المصري أبو الغيط والتي غالباً ما تثير غضب الفلسطينيين والمصريين على السواء، وآخرها ما صرح به سيادته. (هاجم وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط حركة حماس واتهمها باستخدام الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شليط للمناورة. وقال أبو الغيط في حديث لتلفزيون البي بي سي 'إن من يطالبون بفتح معبر رفح يسعون للحصول على الشرعية وليس خدمة مصالح الشعب الفلسطيني، في إشارة إلى حركة حماس ...) واستقراء الموقف المصري الرسمي يؤكد أن السلطة المصرية تسعى لتخليق توازن فلسطيني فلسطيني دائم، وتعمل للحيلولة دون وجود ح

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد